درجٌ خارجيٌ طويل ومتهالك قادنا إلى بيتهم، يقتطعون غرفة واحدة مسقوفة بالإسبست من بيت العائلة يعيش فيها ثمانيتهم.
المكان شبه خالٍ من الأثاث ومن معالم حياة كريمة لأطفالٍ صغار أصبح جلُّ همهم هل سيتمكن والدهم اليوم من توفير طبق الفول والحمص لهم كي يقتاتوا عليه ويسدوا رمق جوعهم، بعد أن أصبحوا مهددين بفقدان هذه الوجبة اليومية إذْ تراكمت عليهم الديون.
أبسط الاحتياجات
في داخل بيتهم (الغرفة) بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تبدو عجلة الحياة قد توقفت أمام أبوين عاجزين عن تلبية أبسط احتياجات أبنائهم، فلا بيتُ يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، ولا أثاث ولا حتى ملابس.
تقول الأم: "ابني البكر في الصف العاشر أصبح شابًا، يرفض الذهاب للمدرسة لأنه لا يملك بنطالًا بحالة جيدة يمكن أن يلبسه، يعاتبني وأنا غير قادرة حتى على توفير لقمة الطعام اليومية له ولأشقائه".
وتمضي بالقول بأسى: "كأمٍ أتمنى أن أوفر كل شيء لأبنائي لكن ما باليد حيلة، فالوضع المادي غاية في الصعوبة، في ظل وجود ابنة مقعدة، أجاهد لتوفير تكاليف علاجها، حتى أنني أبيع بعض ما يتوفر لي من الكابونة في سبيل توفير العلاج".
فالطفلة "م" (في الصف الثاني الابتدائي) مقعدة منذ الولادة بسبب تشوه خلقي في إحدى قدميها، لم تترك العائلة مكانًا إلا وذهبت إليه لمحاولة علاجها، "رؤية ابنتي بهذه الحال أصابني بضغط الدم، فالهم كبير، وبعد كل هذا التعب لأجل تحصيل علاجها، قرر الأطباء بتر قدمها، وطلبوا مني أن أهتم بتغذيتها كي تكون قادرة على تحمل هذه العملية الكبرى وهم لا يعلمون أنها تبيت بـ"نصف بطن" (غير شبعانة) معظم الأيام.
تراكم الديون
العائلة ولضيق الحال تراكمت عليها الديون لدى محل "الفول والفلافل" الذي تقتاتُ منه، "يريد منا 400 شيكل ثمن ما نشتريه منه يوميًا، وهو قد بدأ بالتذمر من ديوننا المتراكمة، نخشى من أنْ يتوقف عن إقراضنا، حينها سيتضور أبنائي جوعًا".
وقد ألقى الوضع المادي بالغ السوء بظلاله على ابنها الثاني "ر" (14 عامًا)، تقول:" كان سليمًا لا يعاني من ناحية صحية، لكنه مهموم، وكثير السؤال عن سبب الوضع التعيس الذي تعيشه أسرته وعدم قدرتهم على علاج شقيقته، أصبح لديه كهرباء زائدة، كثيرًا ما يأتون به لي من المدرسة وهو مغمى عليه".
اقرأ أيضاً: "الأوقاف" توزّع 1700 طرد غذائي على الأسر المتعففة
وتضيف: "أذهب به للمشفى، كل ما يفعلونه هو إفاقته، ويخبرونني بضرورة أن أجري له صورة أشعة مقطعية (تكلف قرابة مئتي شيكل) كي يستطيعوا تحديد ما يعانيه، هم لا يعلمون أنني أستدين أجرة الطريق للوصول للمشفى فكيف لي أن أدفع مبالغ كبيرة لعلاجه؟".
وتُتابع بأسى: "أبنائي محرومون من أبسط مقومات الحياة، فنحن هنا جميعًا في غرفة واحدة، نغرق من المطر شتاءً ونعاني شدة الحر صيفًا، نستدينُ لنأكل ثم نسدد جزءًا من الديون إذا ما صرفت "الشؤون الاجتماعية" وهكذا".
في زاوية الغرفة جلست الطفلة المقعدة "م" وبجانبها شقيقتاها "ك" و "ر" وهكذا يقضين معظم يومهن في ظل عدم وجود أي وسائل للترفيه في المنزل فلا تلفاز ولا ألعاب.
تمضي الأم إلى القول: "ابنتي (ك) أربعة أعوام من المفترض أن تكون هذا العام في الروضة في البستان، تبرع لها أهل الخير فدرست قليلًا ثم اضطررتُ لفصلها من الروضة لأنني غير قادرة على تسديد الرسوم الشهري".
دون مصروف شخصي
وتشير إلى أن أبناءها يذهبون لمدارسهم دون الحصول على مصروف ولا إفطار، "يطلبون مني شواقل لطباعة الامتحانات فلا أستطيع منحهم إياها، يسألونني دائمًا لماذا نحن أقل من أقراننا؟، لماذا لا نلبس ولا نأكل مثلهم؟ حتى أي شيء لو كانت تكلفته شيكلًا واحدًا فنحن عاجزون عن توفيره لهم".
وتأمل الأم في أنْ تجد مَنْ يتكفل بمصاريف علاج ابنتها المقعدة ويساعدها في إجراء العملية الجراحية لها حتى يتحسن وضعها الصحي، وتتمكن من تركيب طرف صناعي، "آمل أن أجد من يساعدني في إجراء فحوصات طبية لابني وإنقاذه من تدهورٍ قد يطال وضعه الصحي في ظل عجز الأطباء عن تحديد ما أصابه".
ويبدو الحديث عن أمنيتها بأنْ يكون لها بيت أوسع وبإمكانيات أفضل نوع من الترف أمام الوضع الصحي لابنيها لكنه حاجة ملحة.
وإزاء الوضع الذي يُرثى له، يقف الأب عاجزًا عن فعل شيء فهو يعمل في البناء بشكل متقطع، ويقول إنه لا يترك مجالًا للبحث عن عمل إلا وطرقه، ويتحصل على فرصة قليلة في كل عام ولا يكفي ما يتحصل عليه من مال لسد رمق عائلته سوى أيام معدودة، ويعلق أملًا بالحصول على فرصة دائمة تَكفيه وأسرته السؤال.