فلسطين أون لاين

زاوية الحكواتي

لمّا ينوّر الملح

...
الحكواتي - لمّا ينوّر الملح
رام الله- غزة/ مريم الشوبكي:

"ينوّر" بمعنى يُزهر والإزهار دليل على الحياة، والتفاؤل، ومعروف على أن الملح لا حياة فيه ولا يصلح أن يستنبت فيه شيء بوضعه مباشرة، لهذا لجأ أجدادنا لاستعمال كلمة "الملح"، وإلحاقها بالإزهار تعبيرًا عن طول الرجاء، وعدمه.

و"لما ينوّر الملح" مثل شعبي تذكر المراجع أنه جزائري، ويعني لما يزهر الملح، أي يصبح للملح نوار، أو زهر، كناية عن استحالة المطلوب، إما لأنه محال في أصله، وإما لوجود ما يجعله كذلك، رغم إمكان تحقيقه.

وللمثل "لما ينوّر الملح" قصة فيها مغزى عميق يحكيها الحكواتي محمد الحاج أحمد، وقد حدثت في زمن بعيد أيام بيع الرقيق.

يحكى أن رجلًا قبل عتق الرق، توفيت زوجه، فقصد السوق يشتري جارية تخدمه، وأبناءه المساكين، وقد عاهد نفسه ألا يتزوج، حتى يكبر الصغار، أخبرته الجارية أنها في الأصل حرة، وألحت عليه أن يعيدها إلى أهلها في بلدة أخرى، فأجابها "حين ترين جرة الملح قد أزهرت، سأفعل".

فسألت متعجبة "وهل ملحكم يُزهر؟!"، فكان الجواب "نعم فهو لا يشبه الملح الذي تعرفينه"، صدقته بسذاجة، وظلت تراقب حبات الملح كل يوم، ترجو إزهارها، أخلصت في عملها، وتفانت في خدمة الأسرة، تحنو على الصغار، وتعطف عليهم، وتسهر على راحتهم، حتى أحبوها، وأحبتهم.

سُر الرجل لما رأى، وتعلق قلبه بالمرأة، حتى عزم على الزواج منها، صارحها مرة في الأمر، فردت عليه" ليس قبل أن يزهر الملح"، فلم يجد بدًا من الاعتراف لها بالحقيقة، والاعتذار منها، وبعد طول تفكير، قبلت الجارية اعتذاره، واشترطت عليه أن يعتقها، ويأخذها لأهلها، ويطلب يدها منهم، وفعل.

تم القران، وعادت الزوجة إلى بيتها، وقصت قصتها على جاراتها، ضحكن طويلًا، وصارت مقولة "عندما يزهر الملح" مصدر تندر في الحي، حتى شاعت في الآفاق مثلًا لتعبير عن الأمل الكاذب، والرجاء الذي يستحيل تحقيقه.