فلسطين أون لاين

هدم الاحتلال بيوتها هذا العام

تقرير عائلاتٌ مقدسية تُقطع أوصالها وتُحرم "لمّة" رمضان

...
عائلاتٌ مقدسية تُقطع أوصالها وتُحرم "لمّة" رمضان
القدس المحتلة/ غزة-فاطمة الزهراء العويني:

تفتقد المقدسية أم إيهاب الحصيني موائد الإفطار الرمضانية التي تتحلق حولها حفيدتاها كرمل وإيلين تستمتعان بما طهته لهما جدتهما من أطباقٍ شهية، وتتجاذب فيها الأسرة أطراف الحديث والمزاح، في أجواء رائعة تنتظرها العائلة من العام إلى العام الذي يليه.

فـ"رمضان" هذا العام يتشح بالحزن بعد أنّ فرقت معاول الاحتلال الإسرائيلي بين أبناء العائلة وحرمتهم الاجتماع اليومي الرمضاني، الذي تطهو فيه أم إيهاب ما يوصيها به أبناؤها، في حين تعد زوجة ابنها الأكبر إيهاب الحلويات الرمضانية لتجتمع العائلة سوياً على مائدة الإفطار، ثمّ يتفرقون مع دخول العشاء لأداء الصلاة.

تلك "اللمة العائلية" هي أجمل ما في رمضان، غير أن العائلة لم تعشها هذا العام، حيث هدمت سلطات الاحتلال بيت إيهاب المجاور لبيتها في 28 فبراير/ شباط الماضي، وسوّته بالأرض.

ولا تتوقف الحسرة في قلب الحصيني عند تذكر اللحظات العائلية الرمضانية بل إنّ دموعها تنهمر وقلبها ينفطر كلما فتحت شباك منزلها ونظرت لركام منزل ابنها، وتذكرّت تلك اللحظات الأليمة التي حاصرت فيها قوات الاحتلال منطقة جبل المكبر حيث تقيم، وفرضت حصاراً عليها في منزلها، وأخذت آليات الاحتلال تنخر في أساسيات بيت "إيهاب" الذي بناه بكد وتعب السنين.

تأجيل قرار الهدم

تقول بأسى: "لم يهنأ ابني فيه لحظة واحدة فمنذ أن أنهى بناءه في عام 2017م سلمته سلطات الاحتلال قراراً بالهدم، ومنذ ذلك الوقت وهو يدور في محاكم الاحتلال يدفع المخالفة تلو المخالفة ليؤجل أمر الهدم ولكن دون جدوى، بالنسبة لاحتلال غاشم كل ما يريده اقتلاع المقدسيين من بيوتهم".

وتضيف: "كنت هانئة بجوار ابني إيهاب وقرب حفيداتي مني، في ظل بعد ابني الثاني عني مستأجراً في مكان بعيدٍ، ولكنني الآن أقضي رمضان هذا العام دون ابنيَّ الاثنيْن، فقد اضطر إيهاب للاستئجار في منطقة رأس العامود وهي بعيدة نسبياً عنا، ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نجتمع يومياً كما كنا نفعل في السابق".

وما يزيد أسى "الحصيني" أنه لا يلوح في الأفق نهاية لألم سرطان "هدم البيوت" وتقطيع أواصر العائلات المقدسية، "فبعد أنْ كان لا يفصلني عن بيت ابني سوى متريْن فقط، تفصلني عنه مسافة طويلة ولا أدري إنْ كان سيُكتب لنا يوماً إعادة اجتماعاتنا الرمضانية مجدداً وأنا على قيد الحياة".

فصل من التشريد

ولم يكن الحال أفضل لدى عائلة بشير التي كتب الاحتلال في 15 فبراير هذا العام الفصل الأخير في تشريدها من بيوتها الفسيحة، فبعد أنْ كانت تجتمع على مائدة الإفطار الرمضانية في أرض العائلة الملاصقة لمنازلها، وتقيم الولائم للأقارب والأصدقاء أصبحت تعيش في قبوٍ لا يصلح للحياة الإنسانية.

يقول محمد بشير: "كنا نقضي نهار رمضان في أرضنا، حيث يمتلك أبي وأعمامي قرابة الخمسة عشر دونماً ونقيم يوميا ولائم إفطار رمضانية لعماتي وجيراننا ومعارفنا، نتبادل فيها أطراف الحديث ونقضي أوقاتاً ممتعة تجعلنا ننتظر بشوق كل عام".

كانت العائلة تعيش في ثلاثة بيوت أحدها للأب وآخران لشقيقيه مهند وإبراهيم، حتى بدأ الاحتلال في استهدافها العام الماضي بهدم بيت مهند، "فعاد للعيش معنا في بيت العائلة الملاصق هو وزوجته وأطفاله الأربعة ولم تتأثر أجواؤنا الرمضانية كثيراً".

لكن هذا العام نعيش تفتيتاً للعائلة وتقطيعاً لأوصالها عندما هدم الاحتلال منزل العائلة ومنزل ابنه إبراهيم، ومنع العائلة من البناء في أي مكان من الأراضي التي تملكها.

تقطيع أواصر العائلة

يقول محمد: "ألم كبير أنْ تمتلك مساحة شاسعة من الأرض ويمنعك المحتل أنْ تبني فيها. نعيش اليوم أنا ووالدي وأمي في غرفة واحدة بالإيجار"، مبينًا أن الغرفة كانت كراجاً للسيارات ولا يتوافر فيها أي نوافذ، ويدفعون لقاء البقاء فيها 3000 شيقل شهرياً دون احتساب فاتورتي الماء ولا الكهرباء وضريبة "أرنونا"".

ويضيف: "لم نرد أن نترك جبل المكبر والابتعاد عن أقربائنا وعائلتنا، وإيجار شقة بمواصفات جيدة هنا يكلف 1500 دولار شهرياً، وهو ما يفوق قدراتنا المادية المستنزفة من الضرائب الباهظة التي ندفعها منذ عام 2011م على أمل وقف أوامر الهدم ولكننا دفعنا كل ما نملك للبناء والضرائب دون جدوى".

ويصف بشير ما حدث لعائلته بـ"النكبة، ما حدث لنا موت وخراب بيوت، فقد أصبحنا بلا مأوى ودفعنا أيضاً 150 ألف شيقل تكلفة هدم بيوتنا، اضطررنا لترك حارتنا وأجوائنا العائلية والتفرق في بيوتٍ متعددة".

ويشعر بشير "25 عاماً" بالأسى وهو يعيش شهر رمضان دون تلك "اللمة" لعائلته الممتدة على مائدة الإفطار التي تجمع كل الأجيال كبيرة السن والشابة، "كنتُ أنتظر رمضان بفارغ الشغف لكي أقضي أوقاتاً جميلة مع أقراني من أبناء عمومتي، بين أحضان الطبيعة في حديقة منزلنا، في حين تعد لنا نساء العائلة أطيب المأكولات والحلويات، أما هذا العام فأنا أقضيه في قبوٍ مظلم، تنعدم فيه أساسيات الحياة وبعيداً عن شقيقيّ "مهند وإبراهيم" وأبنائهما الثمانية".