عندما تدخل إلى سوق الزاوية الأثري وسط مدينة غزة، يشدك مظهر التوابل والبهارات المعروضة أمام المحلات التجارية المتعددة والمتخصصة في هذا المجال منذ عشرات السنين، ويعمل فيها تجار توارثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم.
يبيع هؤلاء التجار أصنافًا مختلفة من التوابل والبهارات والتي ما إن تقترب منها تخترق روائحها أنفك بقوة.
وتعدّ أصناف التوابل والبهارات المختلفة من السلع التي يقبل عليها المواطنون بشدة، ولذلك يحرص بائعوها على عرضها بأسلوب يجذب الزبائن خاصة خلال شهر رمضان، حيث تشهد أصنافًا معينة منها إقبالاً شديدًا، كما يبين أحمد الحلو الذي يدير محلاً لتجارة العطارة والتوابل.
وتفوح من محل الحلو (37 عامًا) القديم عبق الماضي الممزوج برائحة الحداثة، إذ يحفظ كل شبرٍ من زواياه والأشخاص الذين عملوا برفقة والده طيلة السنوات الماضية.
وكانت أجزاء من محله قبل بضع سنوات تعرضت للسقوط بسبب مرور فترة زمنية طويلة على بنائه، لكن العائلة استطاعت إعادة ترميمه والحفاظ على حالته الأثرية إذ يزيد عمره المكان عن 120 عامًا.
ويقول الحلو، إنه ورث المهنة عن والده فؤاد الذي ورثها بدوره عن والده وجده اللذان بدآ في تجارتها قبل عشرات السنين في سوق الزاوية.
ويضيف أن أجداده كانوا يستوردون حبوب البهارات والتوابل من مصر عن طريق القطار الذي كان يصل إلى قطاع غزة مرة واحدة في العام قادمًا من الأراضي المصرية.
ويوضح أن والده استمر في تجارة البهارات واستيرادها من مصر ثم أصبح يستوردها من الضفة الغربية.
لكن في الوقت الحالي لم يعد الحلو يستورد باسمه من الخارج بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بغزة وعدم انضباط السوق، بالإضافة إلى تراجع الحركة الشرائية، ويكتفي بشراء الحبوب وأصناف التوابل من تجار ومستوردين آخرين.
تجهيز التوابل
وبعد شراء البهارات يبدأ الحلو مرحلة جديدة في عملية صنعها، وتتمثل بطحنها ومزج بعض الأصناف بأخرى للخروج بأصناف متعددة ذات ألوان مختلفة وتستخدم في صنع العديد من الأطباق الشرقية والآسيوية مثل أرز البرياني والكبسة وغيرها.
ولدى الحلو أكثر من 10 أصناف أساسية من التوابل والبهارات في محله، وعند مزجها ببعضها، ينتج قرابة 20 صنفًا آخرًا، وهو يحرص على طحنها بنفسه لضمان تلبية رغبات الزبائن كما يريدون.
ويتركز اهتمام المواطنين في رمضان على أنواع معينة من التوابل، وأكثرها بهار الرز "القِدر"، ويأتي بعده السماق الناعم، وتوابل الدجاج، وتوابل المشاوي.
ويملك الحلو خبرة كبيرة منذ أن بدأ عمله التجاري في العطارة والتوابل قبل 20 عامًا من الآن، جعلت من محله التجاري مكانًا معروفًا لدى الزبائن الوافدين إلى سوق الزاوية من مختلف أنحاء مدينة غزة والمحافظات الأخرى في القطاع.
أصناف محددة
ومن أجل تحقيق أرباح معقولة، يبدأ موسى مروان (25 عامًا) الذي يدير محلًا في سوق الزاوية أيضًا، لبيع التوابل، التحضير مبكرًا لموسم رمضان.
ويقول: إن جميع أصناف التوابل تشهد إقبالاً كبيرًا من المواطنين طيلة أيام العام، وهي تدخل في صناعة أنواع مختلفة من الأطعمة والأغذية لدى الغزّيين.
ويذكر أن الإقبال في رمضان يشتد على أصنافٍ معينة من التوابل مثل الفلفل الأسود والكمون والكركم، والبابريكا، والكاري، والاوريجانو، وتوابل صنع الأرز بأنواعه المختلفة، بالإضافة إلى حب الهان الذي تستخدمه النسوة في تطييب المأكولات والقهوة، لافتا إلى أن الطلب على غالبية الأصناف لا يتوقف طيلة العام.
ويستهلك مروان في العام الواحد قرابة الطن، وذلك مرتبط بمدى قوة الحركة الشرائية في السوق، وأقل كمية يستهلكها 500 كيلوجرام.
يقول: إن التوابل من المنتجات المهمة لدى المواطنين بغزة، ولا تكاد تخلو وجبة غذائية من أحد الأصناف المختلفة.
وتوجد في غزة العديد من شركات تصنيع البهارات والتوابل، وتنشط حركة بيع البهارات في شهر رمضان، وتعد فرصة للشبان العاطلين عن العمل، إذ يتخذون من الأسواق زوايا يفرشون عليها بسطات صغيرة لبيع البهارات الأساسية التي تستخدمها ربات البيوت.