فلسطين أون لاين

"عبد المهدي طرايرة".. قاصٌّ رمضاني بثوب فنان مسرحي

...
قاص رمضاني بثوب فنان
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

شغف الممثل المسرحي الشاب عبد المهدي طرايرة بالتمثيل وتقليد الأصوات دفعه نحو تقمص شخصية الحكواتي، خاصًا الأطفال بعروضه وحكاياته في فلسطين وخارجها ضمن مهرجانات محلية، ودولية.

ويمثل شهر رمضان للشاب طرايرة (31 عامًا) فرصة لإحياء تراث الحكاية الرمضانية التي سادت قديمًا في المقاهي.

ويقدم طرايرة حكاياته إما بشخصيته الحقيقية، مع تلوين صوته لأداء دور شخصية القصة، أو عبر دميته "زيتونة" صديقة للأطفال التي باتت أيقونة تفاعلية، بمجرد أن تطل في الأماكن العامة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو على شاشات التلفاز.

حكاية من التراث

يستقي طرايرة حكاياته المختلفة مما سمعه شفهيًا من الجدات التي قابلهن في مدينته أو خارجها، أو ما وقع على سمعه من حكائين، أو حكاءات من بلاد عربية مختلفة كالمغرب، وتونس، ومصر، وسوريا على لسان لاجئين فلسطينيين هناك، ولبنان وغيرها، والكتب أيضًا مصدر للقصص الفلسطينية الشعبية التي يرويها، ككتاب قول يا طير لشريف كناعنة.

وقد جسد شخصية الحكواتي كثيرون على مر عقود من الزمن، إذ اشتهرت به بلاد الشام منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى صار الحكواتي جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد ومنها لبنان. كان الحكواتي إحدى وسائل التسلية الجماعيّة، وهو كذلك وسيلة تثقيف وعرض للبطولات والأخلاق الحميدة التي يتحلّى بها أبطال الحكاية حتى لو كانت هذه الحكايات غير واقعيّة.

في هذا السياق، يشير طرايرة إلى أن الناس لا يزالون يحنون إلى القصص الشعبية على الرغم من خرافية العديد منها، والبطولية القديمة التي كانت تروى قبل مئات السنوات كسيرة الظاهر بيبرس، والزير سالم، وعنترة. 

ويقول: "لقد أدى الحكاؤون أدواراً مُهمة في المجتمع، أولها: الترفيه والتسلية وخلق الفُكاهة، وكان هذا سبباً كافياً ليُسارع الناس بعد يوم عملٍ شاق للجلوس في المقهى أو المضافة أو ساحة القرية للسماع لهذا الحكاء الذي يُسليهم ويُزيل عنهم عناء يومهم وتعبه، وثانيها: صناعة الرأي والترويج له".

ويبين طرايرة أن أسلوب سرد الحكايا يختلف من حكواتي لآخر، فلكل حكاء أسلوب في رواية القصص، تبعًا لخامة صوته ونبرته، وتعابير لغة الجسد وقدرته على إظهارها والتفاعل مع الحكاية، "كل هذه العوامل تختلف إذا كان يوجه الحكاية للأطفال أو للكبار".

التلوين الصوتي ولغة الجسد

ويلفت طرايرة إلى أن 80% من حكاياته موجهة للأطفال، ويعتمد في أسلوب سرده على التلوين بلغة الجسد، والصوت أيضًا كونه ذا خلفية فنية مسرحية.

فمن من لا يعرف "ليلى والذئب" أو "سندريلا" أو "أبو زيد الهلالي" أو قصة حب جمعت حبيبين وانتهت إما بمأساة أو بـ"عاشوا أجمل حكاية".

وقد عرف الحكواتي قديما بجولاته على المقاهي والحارات ليلًا، وهو ما يفعله طرايرة في كل ليلة رمضانية، حيث يجوب بحكاياته الشعبية الأماكن العامة، والمتنزهات، والأماكن الخاصة برعاية الأطفال، وبعض المراكز الثقافية في مختلفة مدن الضفة الغربية. 

ولإحياء هذه العادة القديمة، يعقد مجموعة من الحكائين منذ أربع سنوات مجاورات في فلسطين، والأردن، حيث ينظمون لقاءات مستمرة، لنقل التجارب، والاستفادة من بعضهم البعض، وفق طرايرة

ويبين أن الحكواتي يُقلد بالحركة والإشارة والصوت إلى درجة تقنع مشاهده بواقعية ما يقدمه، كما أن له أسلوبا بأن ينهي جزءاً من أحداث القصة عند موقف متأزم ليكمله في الليلة التالية كي يبقى جمهوره متحمِّساً لسماع بقية القصّة.

متى ظهر الحكواتي؟

لكن متى ظهر الحكواتي؟ تُرجع بعض المصادر ظهوره إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث كان الناس يعتمدون أسلوب التواتر الشعب في تداول الأحداث التاريخية وسرد السيرة النبوية.

وتقول أخرى إن الحكواتي الرمضاني دخل بلاد الشام مع الخلافة العثمانية، حيث عُرف كقاص شعبي يجلس على كرسي عال في صدر المقهى ويروي قصصاً اجتماعية أو سياسية ناقدة مترافقة بأساليب تعبيرية.

فقد عرف العالم العربي مهنة الحكواتي، منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي، فعلى سبيل المثال لم يكن في مدينة دمشق مقهى من المقاهي التراثية إلا وفيه حكواتي يقدم "فترته" التي تطول وتقصر بحسب برنامج المقهى بعد صلاة التراويح.