تجد أسمهان عليان في شهر رمضان فرصة لإعادة ترتيب العلاقات المجتمعية، وتجد في الولائم الرمضانية وسيلة لتحقيق ذلك.
تقول إن زوجها يحرص منذ اليوم الأول لشهر رمضان على الترتيب لإقامة مائدة رمضانية لأرحامه، مشيرة إلى أنهما يشركان أبناءهما في التحضير لاجتماع العائلة الممتدة وتوجيه الدعوات ليعتادوا على الأمر، ويتعلموا تلك العادة الرمضانية ذات البعد الديني والاجتماعي.
وتعد عليان الولائم الرمضانية أحد أشكال صلة الرحم، وفرصة لنيل الأجر وتقوية العلاقات الاجتماعية بين الأقارب، كما أنها تطيب النفس من الشحناء والبغضاء، وتقوي أواصر المحبة بين العائلات.
في حين تقول مها محمد إن والدها اعتاد إقامة وليمة رمضانية واسعة في رمضان، لكنه اقتصرها في السنوات الأخيرة على أبنائه وبناته المتزوجين وشقيقاته.
وتبين أنه يعمل أحيانًا على إرسال وجبات طعام الإفطار إلى بيوتهم بدلًا من دعوتهم لتناول وليمة الإفطار في بيوتهم بسبب تزايد عدد أفراد العائلة.
وتلفت إلى أن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار لم تعد تسمح بولائم رمضانية واسعة، مشددة على أن التكلف يفقد الوليمة قيمتها وهدفها، "فتتحول من وسيلة لتوطيد العلاقات إلى مدخل شيطاني للتباهي والتفاخر بالأموال والثمرات".
أثر إيجابي
ومن جهته يتحدث الاختصاصي الاجتماعي حسام جبر أن صلة الرحم يفترض أن تكون موجودة في جميع الشهور، لكن العادة جرت أن تتسع وتأخذ حظًا أكبر في رمضان باعتباره شهر التراحم والتوادد وزيادة صلة العبد بخالقه ومحيطه الاجتماعي.
ويوضح أن الولائم الرمضانية تعزز العلاقات الاجتماعية وتدخل البهجة على الذين يتم وصلهم، وتخلق أجواء جميلة بين المدعوين من خلال استعادة الذكريات واستحضار القصص والنكات والممازحة والأحاديث الطيبة بين المدعوين، لتترك طابعا محببا في نفوس الجميع، ويتم فيها استحضار المعاني الجميلة وتعلو المشاعر الطيبة لديهم.
ويقول جبر لصحيفة "فلسطين": "هذه الأجواء لا تتكرر غالبًا إلا في أوقات متباعدة، وبالتالي تأتي بعد انقطاع بسبب الحياة وظروفها الاقتصادية الصعبة، وانشغال الكثير في تحقيق أهدافه واحتياجاته، وبالتالي تأتي تلك الولائم لتعزيز أواصر العلاقات وجسر الهفوات والخلافات".
البعد عن التكلف
ويلفت إلى أن حدوث تغيرات كثيرة طرأت على طبيعة العلاقات الاجتماعية الفلسطينية ولها جذور من جوانب مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، فالظروف التي تمر بها بعض العائلات تدفع بها للانطواء على ذاتها لعدم قدرتها على مجاراة الزيارات أو أي تجمع يتطلب تكلفة مالية.
ويوضح أن المجتمع الفلسطيني يقوم على مبدأ المجاملة، بغض النظر عن أي اعتبارات مادية أو اقتصادية، "وهنا لا بد على القائمين على الولائم الرمضانية عدم التكلف في الضيافة من طعام ولكي لا يشعر المدعو بالعجز عن رد الدعوة، وهي ليست ضرورة بمعايير العلاقات الاجتماعية".
ويوضح جبر أن معايير البر وصلة الرحم في شهر رمضان باتت تختلف من عائلة لأخرى، فبعض العائلات تلجأ لإرسال الأطعمة لأقاربها من الإخوة والأخوات بدلًا من دعوتهم لتناول طعام الإفطار في بيوتهم لدواعٍ وأسباب مختلفة.
إذ يلفت جبر إلى أن الأسلوب التقليدي في صلة الرحم والدعوة لولائم تحمل بهجة أكبر وتعزز الأواصر الأسرية والتكافل الاجتماعي وتعلي من قيمة العائلة وترابطها في نفوس الفتية والأطفال، ويشدد على أنه في حال لم يكن بمقدور البعض أن إقامة وليمة فيكفيه دعوة الأسرة الكبيرة لسهرة مسائية على كوب من الشاي وضيافة بسيطة تحقق الهدف بإظهار المحبة وإشعار محيطه الأسرى بمسئوليته تجاههم، كما يمكن أن يتعاون الإخوة مع بعضهم في تنظيم وليمة واحدة عوضًا عن انفراد كل واحد منهم بوليمة خاصة.
وختم حديثه بالتأكيد أن تلك التجمعات الأسرية والاجتماعية يجب ألا تكون سببًا في الإسراف وتحمل أعباء من الديون التي لا يطيقها المرء، ويجب أن تكون وفق القدرة والاستطاعة.