فلسطين أون لاين

"عاد بخُفَّيْ حُنين"

...
"عاد بخُفَّيْ حُنين"
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

في حياتنا اليومية نواجه الكثير من المواقف والمشكلات التي نبذل كل جهدنا في حلها، وإيجاد منفعة من ورائها، ولكن في بعض الأحيان تبوء محاولاتنا بالفشل، ويصيبنا اليأس، وخيبة الأمل، فنقول: "عاد بخفي حُنين".

للمثل قصة ذات مغزى يرويها الباحث في الأمثال الشعبية إدريس جرادات، فقد حدثنا الراوي يا سادة يا كرام أن رجلًا من أهل الحيرة أصحاب الشعر، وحسن السيرة، يعمل إسكافيًا واسمه حُنين، كان ذكيًا وماهرًا في عمله، يحب التفاني ويكره الكسل.

في أحد الأيام جاءه أعرابيٌ من الريف فقال: أريد ذلك الخف الجميل، ولا أطلب غيره من بديل.

حُنين: هو لك كما طلبت، فنادى على غلامه: هات الخفين في الحال، ليمشي صاحبنا بهما مرتاح البال.

قال الأعرابي: لك ثمنه يا حنين عشرة دراهم.

دهش حُنين: ماذا قلت عشرة دراهم يا جاهل؟ هذا ليس بنصف ثمنه، والله إنك لست بعاقل.

الأعرابي: على رِسلك يا رجل، على رِسلك حذاء بعشرين درهم، أتخاله دواءً أم مرهمًا؟

حُنين: يبدو أنك لا تريد الشراء، وأنا لا أحب الثرثرة والهراء، لقد أغضبتني، وبكلامك أزعجتني، احتفظ بالمال وابتعد عن دكاني في الحال.

الأعرابي: أنا ذاهب ولن أشتري، فأنت نصاب، أتظن أنك عبقري؟

أقسم حنين أن يلقنه درسًا لن ينساه، فنادى على غلامه أن أغلق الدكان، واتبعني ومعك الخُفان. 

لحق حنين وغلامه بالأعرابي، ثم سبقاه في طريقه عبر درب جانبي.

قال حنين: يا غلام ارمِ فردة الخف هنا ليلمحها في طريقه، وانتبه جيدًا كي لا يرانا، وارمِ الثانية بعد مسافة فلربما ننال مبتغانا، ودعنا نراقبه من بعيد لعله في فخنا يقع، ويفعل ما نريد، ليرد الغلام: لعمري يا معلمي رأي سديد.

اقترب الأعرابي من الخف وقال: ما هذا إنه خف جديد، ويشبه كثيرًا خفي حُنين، لكنه وحيد، لو كان معه الخف الآخر لأخذته في الحين، لكن ما نفعي به في كل الأحوال، سأرميه وأتابع الترحال.

تعجب الأعرابي فجأة وتوقف قائلًا: ما الذي أرى؟ الخف الآخر أيضًا لو كنت أعلم لجلبت الأول، وجمعت الخفين ذلك الأفضل، سأترك هنا ناقتي، فقد تعبت من رحلتي، سأعود في الحال لأجلب الخف مرتاح البال.

رآه حُنين وقال: أسرع يا غلام واجلب لي الناقة، فقد وصلنا إلى مطلبنا، وبها حققنا مأربنا.

عاد الأعرابي مذهولًا وقال: يا إلهي أين ذهبت ناقتي؟ اللعنة عليك أيها الخف، بك انتهت رحلتي، سأعود إلى دياري مشيا على الأقدام، فأصبح حديث قومي لأيام.

شاهده قومه عائدًا فسألوه: لماذا تسير مشيًا على الأقدام؟ بماذا عدت من سفرك؟ وأين راحلتك وناقتك؟

أجابهم الأعرابي: انظروا إلى هاتين الفردتين، لقد عدت بخفي حُنين. وصار هذا المثل يضرب كناية عن الخيبة وفشل المسعى.