مرت علينا أمس الخميس 30 آذار الذكرى الـ 47 لـ"يوم الأرض"، وهي ذكرى وطنية يحييها في كل عام الشعبُ الفلسطيني الرافض والمقاوم لكل محاولات الاستيلاء والاقتلاع، فبعد 28 سنة من إنشاء (إسرائيل) تفجر الغضب الفلسطيني صاحب الأرض في وجه الاحتلال والاستيطان. كان ذلك في 30 آذار عام 1976 حين انتفض الفلسطيني في وجه الاحتلال رفضا لمصادرة الأراضي في منطقة البطوف في الجليل لتنفيذ مشروع أُطلق عليه "تطوير الجليل"، فارتقى في هذا اليوم ستة شهداء، وأصيب 29، واعتقل جيش الاحتلال 300 فلسطيني في الجليل، والمثلث، وسخنين، وعرابة، ودير حن، وكفر كنا، وعرب السواعد، ليصبح هذا اليوم رمزا وذكرى سنوية لتخليد وتجسيد تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه، وتخليدا لشهداء يوم الأرض.
فلم تقتصر الاحتجاجات على الداخل المحتل، بل امتدت لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، حتى أصبح يوم الأرض مناسبة وطنية لتأكيد الصلة والترابط بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ورسالة تذكير للعالم الشاهد على مصادرة الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها.
إن مسلسل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بدأ منذ أن وطِئت أقدام الصهاينة فلسطين، فقد عملت الحركة الصهيونية مدة طويلة من أجل السيطرة على أكبر مساحة من الأرض، لتنفيذ مشروعها الاستعماري في فلسطين، ألا وهو إقامة دولة يهودية على حساب الشعب الفلسطيني، فنفذت العصابات العسكرية الصهيونية أكبر عملية تطهير عرقي عرفتها المنطقة، وتم تشريد قرابة 800 ألف فلسطيني، والاستيلاء على أراضيهم بعد استخدام الاحتلال مجموعة من القوانين التي تساعده على تحقيق ذلك، مثل ما يسمى بـ“قانون العودة”، بالسيطرة على أراضي اللاجئين الفلسطينيين من خلال قانون الغائب، وهكذا ضمت (إسرائيل) مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تابعة للدولة، سواء الانتداب (البريطاني) أو الدولة العثمانية، باعتبارها وريثة لها، وأيضاً من الأراضي الخاصة، أي بملكية الفلسطينيين الذين طُردوا من وطنهم، والآن يصادر الاحتلال الأراضي والممتلكات والبيوت الفلسطينية بزعم البناء غير المرخص، أو عدم الاعتراف بملكية الفلسطينيين للأرض التي ورثوها وامتلكوها من قبل نكبة عام 1948.
الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والاستيطان شهدا في المدة الأخيرة تناميًا غير مسبوق، ولا سيما هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، التي تسابق الزمن بسياستها التهويدية، في تطبيق مبدأ "أرض أكثر وعرب أقل"، فوفق الإحصاءات الرسمية الفلسطينية صادر الاحتلال بين 1948 و1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى التي سيطر عليها، فقبل النكبة كان الشعب الفلسطيني يسيطر على أكثر من 96%، أصبح لا يملك الآن إلا 2%، و85% مجمل ما يسيطر عليه الاحتلال من مساحة فلسطين التاريخية، بسبب الاستيطان والتهويد.
كما أن الاحتلال استغل أكبر ثغرة في تاريخ القضية الفلسطينية متمثلة باتفاق أوسلو في عام 1993 عندما نجح في تقسيم المناطق الفلسطينية إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)، لتمرير مخططاته الاستيطانية والتهويدية على حد سواء. وفقا لدائرة متابعة الاستيطان التابعة لحركة "السلام الآن"، فإن عدد المستوطنين تضاعف 4 مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو، إذ بلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 130 مستوطنة، إضافة إلى 103 بؤر استيطانية عشوائية. وتشكل نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 23 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 69 مستعمراً مقابل كل 100 فلسطيني.
يوم الأرض لا يعني يوما أو ذكرى تمر مرور الكرام، بل هو رمزية لتجديد البيعة للأرض والهوية الوطنية والعودة للاجئين والحرية لفلسطين، التي ستبقى محور نضال الفلسطينيين وجوهر الصراع مع الاحتلال، فالشعب الفلسطيني لم ينسَ أرضه، ومخطئ "بن غفير" و"سموترتيش" إذا اعتقدا تهويد الضفة المحتلة، والتاريخ شاهد على الانتفاضات والهبّات الشعبية الفلسطينية، وها هو اليوم منتفض في الضفة في وجه الاحتلال والاستيطان.