فلسطين أون لاين

يتدبرون أمورهم بما تجود عليهم به الطبيعة

رمضان في "خربة مكحول".. حياتهم البدائية تفتقد لمقومات الحياة

...
خربة مكحول

طوباس/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

دون مظاهر للزينة وللفرح يمضي شهر رمضان في "خربة مكحول" بالأغوار الشمالية، إذ تنافح أربع عائلات منذ ما يقارب 23 عاماً ضد غول الاستيطان التهجير القسري من أرضهم.

هذه العائلات هي من تبقت على أراضي الخربة التي هجرها سكانها الفلسطينيين بعد النكسة، ويمارس الاحتلال ضدهم انتهاكات لا حصر لها، فإنْ مرّ إنسان هناك يُخيل إليه أنه لا يوجد أثر لبشري هناك، في حين تعج القرى والمدن من حولهم بأطفالٍ يلهون في الشوارع احتفالاً بالشهر الكريم.

صعوبات جمَّة

على الرغم من تشوق مواطني الخربة لرمضان كل عام، إلا أنه يحمل في ثناياه بجانب أجوائه الإيمانية صعوبات جمة تجعله شاقاً على هؤلاء المواطنين الذين يعتاشون على رعي الأغنام.

يقول يوسف بشارات: "نحن مضطرون للخروج صباحاً لتحصيل رزقنا، ونكون متعبين مع الصيام في ظل المناخ الصحراوي الذي نعيش فيه، فيُطلق المستوطنون كلابهم تجاه مواشينا فتهرب ونجري وراءها لإعادتها ما يرهقنا كثيراً".

ونهار بشارات (46 عاماً) يمضي بين "كرِ وفر" بينه وبين المستوطنين الذي يحيطون بالخربة كـ "السوار بالمعصم"، أما ليله فيعيش الحال ذاته، ولكن مع قوات الاحتلال التي تأتي في ليالي رمضان لاقتحام بيوت القرية، وتُخرج بشارات وزوجته وأطفاله للعراء ما بين الإفطار والسحور، بذريعة "التفتيش".

ويتابع بشارات: "أساساً ظروف الحياة كلها هنا صعبة للغاية، فنحن محاطون بالمستوطنين من "رعاة التلال" ومعسكرات جيش الاحتلال من كل حدبٍ وصوب، نعيش بلا كهرباء ولا خطوط مياه، تتعرض بيوتنا للهدم فقد هدموا بيتي عدة مرات، فنحن طوال السنة نعيش حياة غير طبيعية فكيف يمكن أن يتغير الحال في رمضان؟".

طقوس الفرح غائبة

ويشعر بشارات بالأسى على أطفاله الذين يكونون في بالغ الشوق لرمضان، لكن الوضع الذي يعيشونه لا يسمح لهم بممارسة طقوس الفرح بالشهر الفضيل، فلا يمكن لهم الخروج إلى الشارع واللعب، "نحن نعيش في صحراء، لا يوجد بشر هنا، كل الأطفال يخرجون بعد صلاة المغرب للعب في الشوارع بالمفرقعات وأداء صلاة التراويح، لكن أطفالنا محرومون من ذلك".

فبعد صلاة المغرب لا يوجد أحدٌ من أهالي الخربة يستطيع الخروج خارج بيته؛ خشية غدر المستوطنين وجيش الاحتلال، حتى صلاة التراويح فإن أقرب مسجد يحتاج لنصف ساعة سيرًا على الأقدام، "فلا نستطيع كرجال أن نذهب إلى المسجد ونترك زوجاتنا وبناتنا في البيوت، خشية أن يتعرضن لاعتداءات".

ولا تختلف الأمور كثيراً لدى المواطن أحمد عبد الله، الذي يرى بأن الحديث عن مظاهر احتفالية برمضان يعد ترفاً مع حياتهم البدائية التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة في الخربة، "فحتى الماء بمشقة بالغة نحصل عليه، فلا يوجد خطوط مياه هنا، وتزداد المعاناة في رمضان حيث يكون الماء شيئاً بالغ الأهمية، نجلب المياه من بلدة طمون على بعد عشرين كيلومتراً".

وحتى الكهرباء غير موجودة فيستعيض الأهالي عنها بخلايا طاقة شمسية توفر لهم تيارًا كهربائيًّا قد يتوقف عند صلاة المغرب، وهم ملتفون على مائدة الإفطار، "والتسوق هنا أيضاً أمرٌ شاق، نقطع أيضًا مسافات كبيرة لأجله، ونُضطر غالباً لتدبر أمورنا بما تجود علينا به الطبيعة من أعشاب، نطهوها وتكون حاضرة على طاولة الإفطار".

ويتابع الرجل الخمسيني: "التفكير في أصناف جديدة أمرٌ ليس متاحاً، بالكاد نوفر الاحتياجات الأساسية بالذهاب للسوق مرة واحدة بالأسبوع، فنحن ليس كغيرنا إذا ما نقص عليهم شيء ذهبوا لأقرب محل بقالة، فلا يوجد أي محال هنا".

زيارات خاطفة وللرجال فقط

وحتى زيارة الأرحام لها طابعٌ مختلف لدى أهل "مكحول"، الذين يعيشون غالباً في بلدة طمون وما حولها، كما يوضح عبد الله، إذ يخصص الأهالي يوم الجمعة لزيارة أرحامهم، "فنذهب لزيارتهم نهاراً ونصارع الوقت للوصول لبيوتنا قبيل المغرب، لا يمكننا أنْ نسهر عندهم أو نذهب لهم بعد الإفطار".

ويمضي بالقول: "والزيارة مقتصرة على الرجال فقط، نتنقل من بيتٍ لآخر، نقضي وقتاً قصيراً لدى شقيقاتنا وأهالينا، زيارة قصيرة أفضل من عدم الذهاب أبداً، لا نستطيع اصطحاب أبنائنا لمشقة الطريق ووعورتها".

ويشعر عبد الله بالحزن على أبنائه، لكونهم محرومين من "اللمات العائلية"، ومن التجمع مع أقربائهم على موائد الإفطار، أو الذهاب في زيارات لصلة الأرحام واللعب مع أقرانهم، "لم يترك الاحتلال ومستوطنوه وسيلة للتضييق علينا، ودفعنا لترك بيوتنا إلا واستعملوها، فكيف لنا أنْ نصنع أجواء احتفالية برمضان ونحن قد نفقد بيوتنا في أي لحظة ونصبح بلا مأوى؟!".