فلسطين أون لاين

بيني غانتس وعقدة المنقذ.. هل يعيد الكرَّة

...
محمد عوني أبو عون
محمد عوني أبو عون (باحث في مركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين ماليزيا)

في أبريل من عام 2019 كانت المرة الأولى التي شهدت معركة خاصة لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، ليس في خضم عملية عسكرية على إحدى جبهات القتال الميدانية، لكنه كان ظهور التحول من مسار القيادة العسكرية إلى حلبة العمل السياسي من خلال انتخابات الكنيست الحادية والعشرين، معلنا قبلها بشهرين فقط عن إطلاق تحالف واسع يشمل أحزاب الوسط واليسار وعلى رأسها حزب يش عتيد في مهمة كبيرة ومقدسة لإسقاط زعيم الليكود التاريخي بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم، لم يكن يرفع غانتس حينها سوى شعار واحد "حكومة بدون نتنياهو".

حمل غانتس هذا الشعار ممتزجا بشعور مختلط ما بين الرغبة والرهبة، رغبة في تقلد منصب الرجل السياسي الأول في الكيان بعد أن كان الرجل العسكري الأول، وما يصاحب هذا الإنجاز من مفخرة ومكانة، ورهبة من شراسة منافسه الذي لم يكف يوما عن إسقاط منافسيه وإنهاء تاريخهم السياسي بالضربة القاضية، وما أكثر ضحاياه لو عددناهم. ومرة بعد مرة، ومع فشل غانتس المعروف بشراسته وعسكريته في إسقاط خصمه في انتخابات الكنيست لمرتين متتاليتين خلال أقل من ستة شهور والذهاب إلى انتخابات ثالثة مجددا في مارس 2020 كان لغانتس وجهة نظر أخرى.

استشعر غانتس بعد انتخابات مارس 2020 بشهر واحد ومع انتهاء التكليفات، أن هذه الحرب ستبقى تراوح مكانها، وستستمر كذلك لأمد غير محدد، واستقرت وجهة النظر لديه بأن هذا الحال يستنزف الكيان ويزيد شروخه وعيوبه التي باتت أكثر وضوحا وأعمق تأثيرا على تماسكه، هذه القناعة كانت موجودة لدى باقي شركائه في الائتلاف، لكن النزول عن شجرة المواجهة مع نتنياهو كان يعني من وجهة نظرهم شيئا واحدا يتمثل في بقاء نتنياهو "الفاسد والملاحق في قضايا قانونية" على رأس السلطة.

إدراك غانتس للمعضلة ورغبته في لعب دور المنقذ دفعه وبدون سابق إنذار إلى ارتكاب ما أسماه ائتلاف الوسط واليسار وقتها بالخيانة، خيانة من وجهة نظر غانتس يراها بطولة وإنقاذا لكيان يتفسخ، هذه الخيانة مكنت نتنياهو من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الخامسة والثلاثين في أبريل 2020 بالتناوب مع بيني غانتس ليصبح رئيسا للوزراء بعد 18 شهرا.

لم يخفى على أحد كيف خدع نتنياهو غانتس، وكيف أصبح الأخير عبرة لجميع قادة الكيان المنافسين لنتنياهو، وهو ما تجلى بإحجام حليف نتنياهو التاريخي نفتالي بينيت من الدخول معه في الحكومة اللاحقة والانتقال إلى المعسكر المقابل ليصبح رئيسا للوزراء.

مرت السنوات سريعا، وبقي الكيان يراوح مكانه غارقا في أزماته السياسية وسقوط حكوماته الضعيفة والعودة مرارا وتكرارا لخوض انتخاباته المتتالية، دون أن يحسم أي من المعسكرين مشهد السياسة، ولم تفض الائتلافات التي ما انفكت تتآلف وتتخالف إلا إلى مزيد من الفشل.

اليوم تعود المواجهة بشكل أشد وأعظم، ومع حكومة أغلبية بفارق أربعة مقاعد بين المعسكرين، ومع استشراء الخلاف عميقا بين اليمين واليسار في كل مؤسسات الكيان العسكرية والقضائية والمدنية والأمنية؛ ينادي منادي من قلب قلعة الرئيس هيرتسوغ على المنقذ غانتس الذي يقود اليوم المعسكر الوطني، والرسالة في مضمونها تخبره "بأن ليس لها سواك".

برقية "استدعاء المخلِّص" التي وجهها هيرتسوغ لغانتس، تجعله في وضع لا يحسد عليه خصوصا في ظل ما يراه من الاشتعال والاحتقان في الشارع الذي يضج بعشرات الآلاف من المتظاهرين، لكنها تذكره أيضا بخيانة وخديعة نتنياهو له قبل عامين، وكيف تنكر للاتفاق الموقع بينهما إبان الحكومة الخامسة والثلاثين، ولربما يجيب بأن "هذا أثر فأسك يا غريمي لم يزل".

ربما تفرض صعوبة الأوضاع القائمة حاليا نفسها على رؤية غانتس مجددا، وتعاوده الرغبة بلعب دور المنقذ مجددا، خاصة مع استمرار وتعالي الدعوات من قبل الرئيس الصهيوني إسحاق هيرتسوغ لقادة المعارضة لإنقاذ المشهد، فهل يعيد غانتس الكرَّة.. ليس مستبعدا.

المصدر / فلسطين أون لاين