في أكثر من حادثة مؤلمة كادت حنان الشرافي أن تفقد أحد أبنائها للأبد، لكن معية الله حالت دون أن تخسره في ظل ما تعانيه العائلة من فقر وضيق معيشة.
تقول الشرافي: إن أحد أبنائها "حاول إنهاء حياته". أما عن سبب ذلك، فهي تكتفي بالإشارة إلى حال عائلتها وأسر أبنائها الفقراء الذين يعيشون في ظروفٍ مأساوية تتجلى على وجوههم معالمها عند رؤيتك لطبيعة حياتهم في منزل بالكاد يصلح حظيرة للحيوانات.
تسكن العائلة وقوامها 13 فردًا، من بينهم حنان وزوجها محمد، وأبناؤهما وأحفادهما أيضًا، في منطقة جورة الصفطاوي، شمال مدينة غزة، في بيتٍ بالإيجار لا يقيهم برد الشتاء أو حر الصيف.
وتلفت الشرافي (58 عامًا) إلى أن نجلها الأكبر حاول "الانتحار" مرتيْن ونجا منهما بأعجوبة ليبقى إلى جانب زوجته وابنيه وبنته الوحيدة.
تعلل محاولة ذلك الفعل الشنيع "بالفقر الذي يعانيه، وعدم قدرته على تسديد الإيجار الشهري وتعثر حصوله على توفر فرص عمل رغم بحثه المستمر عنها".
أما الآن فهو معتقل لدى الجهات الأمنية المختصة بغزة، وفق والدته، بسبب إقدامه على محاولة الانتحار الأخيرة التي تدخلت بها عناية الله، حيث نجا بمساعدة الناس.
كان نجلها الأكبر "أدهم" يعمل في أي مهنة تعرض عليه، وتركز غالبية عمله في الفترة الأخيرة على جمع العبوات المعدنية الفارغة للمشروبات الغازية، من أجل بيعها وتحصيل القليل من المال، وقد أصبحت مهنة من ليس له مهنة بغزة التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات البطالة بين فئة الشباب خاصة.
ولا تقف معاناة العائلة عند أدهم الغائب عن والدته وزوجته وأبنائه.
ومع هطول الأمطار خلال المنخفضات الجوية الشتاء المنصرم، دلفت المياه من عدة مناطق في السقف إلى البيت ذو الجدران المتصدعة.
ومن بين أبناء السيدة الشرافي، أكرم (23 عامًا)، والذي تقول إنه لم يترك بابًا إلا وطرقه بحثًا عن أي شيء يعمل فيه من أجل تحصيل المال، لكن أصحاب العمل عرضوا عليه وشقيقه محمود (20 عامًا)، العمل مقابل 15 شيقلًا في الأسبوع لكل منهما بدوام يومي من الساعة السابعة صباحًا حتى الثالثة مساءً.
هذا ما جعل والدتهما ترفض عملهم، وتحثهم على البحث عن مجالات أخرى.
ويقول أكرم لصحيفة "فلسطين": "نبحث عن عمل لكن نريد عمل يحفظ كرامتنا؛ عمل يمكننا من إعالة والدتي ووالدي الذي يواصل عمله في عدة مهن ليوفر قوت العائلة".
ولا تسمح الظروف الاقتصادية لهذه الأسرة التي ترتسم على وجوه جميع أفرادها تفاصيل المعاناة، دفع الإيجار بشكل منتظم لمالك البيت، والذي تصل قيمته إلى 400 شيقل شهريًا.
وتتراكم على هذه العائلة الديون لأصحاب المحال التجارية القريبة منهم، وتقدر بـ1500 شيقل، أصبحوا غير قادرين إطلاقًا على سدادها.
أما والدة هؤلاء الشبان التي تبدو خائفة إلى أبعد الحدود من أي مكروه يمسهم، فقد امتهنت لفترة طويلة العمل في البيوت من أجل تحصيل المال والمشاركة في إعالة أسرتها، قبل أن يجبرها تراجع حالتها الصحية على ترك هذه المهنة والجلوس في البيت.
وتقول الأم الذي غادرها أحد أبنائها إلى تركيا تاركًا خلفه زوجته وابنتيه "بحثًا عن حياة أفضل": "إننا لا نريد أكثر من حياة كريمة".