فلسطين أون لاين

"نار الشوق" تكوي قلوب أمهات الأسرى.. وحنين إلى جمع رمضاني

...
الأسير محمد عقل
جنين/ غزة-فاطمة الزهراء العويني:

"فؤاد فارغ" بالرغم من كثرة المحبين من حوله، يبحث بين الوجوه عن وجه طال انتظاره، فهذا رمضان الواحد والعشرون الذي لن يأنس فيه قلب الحاجة خديجة بابنها الأسير محمد على طاولة إفطارٍ واحدة، ولن يتقاسما رغيف الخبز في وجبة السحور، فقد طال الأمد وأخذ الخوف يستبد بنفسها بأنها قد لا يسعفها العمر أنْ تعيش مجدداً تلك الأجواء الإيمانية معه".

فالعمر وإنْ مرّ بطيئاً وثقيلاً ممزوجاً بألم الشوق والفراق على نفس الحاجة خديجة، فإن الأمل بلقاء ابنها حراً لن يفارقها ما دامت على قيد الحياة، لكنها تخشى مباغتة الأجل قبل ذلك اليوم.

حنين الذكريات

فأشقاء محمد عقل الذين عاصروه قبل الاعتقال تزوجوا واستقلوا ببيوتهم، وأصبح لهم أبناء هم مَنْ يأتون اليوم ليؤنسوا جدتهم في شهر رمضان الفضيل، يحيطون بمائدة الإفطار حيث تعد لهم ما لذ وطاب من أطباق لكن "الغصة" لا تفارق قلبها كلما طهت صنفاً كان محمد يحبه.

تقول: "في كل مناسبة زواج أو فرح في منزلنا ولدى أشقاء محمد الثمانية كنتُ أذهب لزنزانته أستسمحه بأننا يجب أن نُتم تلك المناسبة مجبرين، وأؤكد له بأن الفرح لن يدخل قلبي وهو ليس معنا، فأفاجأ به يُصبرني ويمدني بالعزيمة ويطلب مني أن أحتفل وأفرح كأنه بيننا وزيادة".

وتضيف الحاجة عقل: "تزوج أشقاؤه وأنجبوا وامتلأ البيت بالأحفاد، ولكن شهر رمضان مناسبة عائلية تتجمع فيها العائلة كثيراً يتجدد في داخلي حنين الذكريات والشوق لـمحمد فأتخيله أمامي يسابق أشقاءه لمائدة الإفطار كما كان يفعل قبل اعتقاله ويتبادل معهم المزاح والنكات".

وتشير إلى أن شهر رمضان يمر ثقيلاً على أمهات الأسرى جميعاً، خاصة ذوي المحكوميات العالية، فهن محرومات من متعة الاجتماع العائلي في هذا الشهر في غياب فلذات أكبادهن.

ورغم كبر سنها فإن الحاجة عقل تصمم على زيارة محمد وتتجشم مشقة الوصول إليه في سجن "نفحة" كي لا يشعر بأنه وحيد، خاصة بعد أن أقعد المرض والده عن زيارته منذ أربع سنوات خلت، "يُلحُّ عليّ بألا أشق على نفسي وألا آتي للزيارة، لكنني أؤكد له أنني لن يوقفني عن زيارته سوى الموت، كيف لي أن أتركه وحيداً في ظل عجز والده وصعوبة حصول أشقائه على تصاريحٍ لزيارته، فهم يزورونه بشكل متقطع".

والأسير محمد عقل من مدينة جنين محكوم بالسجن المؤبد "99 مرة" ويقبع في سجون الاحتلال منذ عام 2002م، ويعاني إهمالاً طبياً جعل جميع أسنانه تتساقط – وفق والدته- وهو الآن يستعمل "الضبة" رغم أنه ما زال في الأربعينيات من عمره.

تعلق على ذلك بالقول: "الحياة في زنازين الاحتلال صعبة للغاية ما يجعل قلب أم الأسير يشتعل بنارٍ لن تهدأ إلا برؤيته حراً طليقاً".

نار لا تهدأ

ولا يختلف الأمر كثيراً لدى فوزية سباعنة "والدة الأسير مجدي" المعتقل منذ 15 فبراير 2002م، إذ تشعر بالمرارة كلما دخل شهر رمضان وهو ما زال قيد الاعتقال.

تقول: "أفتقده في كل يوم عادي، وأنا جالسة أو أتناول طعامي وشرابي، في كل تفاصيلي اليومية".

وتضيف (والدموع تقطع صوتها):" فما بالك بحالي في رمضان عندما تجتمع العائلة وتكثر الجلسات العائلية فإن الألم يمزق قلبي وأنا لا أرى مجدي ابني البكر بينهم، فهو أول فرحتي ومَنْ كنت أعول على أن يكون سنداً لي عندما أكبر في السن".

وتتساءل سباعنة: "كيف لي أن أتحمل هذه السنوات الطوال دونه، ودون أن أتمكن من تزويجه والفرح به؟ شقيقاته الثلاث تزوجن وأنجبن، وكذلك شقيقه الوحيد، لقد كان يوم زفافه مؤلما بكل معنى الكلمة، فقد طبع صورة كبيرة الحجم لـ"مجدي" ووضعها بديوان العائلة في أثناء مراسم الزفاف، لم تكف دموعنا عن الانهمار ونحن ننظر لها، لقد انقلب الفرح ليوم حزين جداً".

وبالوتيرة نفسها تمر كل المناسبات السعيدة على حياة الحاجة فوزية، فلا طعم للفرح دون مجدي وبالذات في رمضان الذي يمر ثقيلاً، تفتقده وقت السحور والإفطار، تتمنى لو يمضي معها يوماً واحداً من رمضان ويطلب منها "المقلوبة" التي يحبها".

ويزيد عبء التفكير على الحاجة "فوزية" كون زوجها المسن لم يستطيع منذ اثني عشر عاماً زيارة "مجدي" وتخشى أنْ يقعدها وضعها الصحي في أي لحظة عن زيارته، وقد سبق أن منعها الاحتلال مرات عدة ولفترات متفاوتة من زيارة مجدي، "فإنْ أقعدني المرض أو الموت عن زيارته فسيقضي أيامه في المعتقل وحيداً دون أنيس".