فلسطين أون لاين

لاجئو "برج الشمالي"

تقرير ليالي رمضان بلا كهرباء وسفرة إفطار دون "لحم" و "سلطة"

...
مخيم برج الشمالي في جنوب لبنان
بيروت-غزة/ مريم الشوبكي:

ليالي رمضان في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور جنوبي لبنان، لن تضيئها أحبال الزينة والفوانيس التي تعود الأهالي على تعليقها قبل أسبوع من قدوم الشهر الفضيل، فهم لم يتمكنوا من جمع الأموال من بعضهم كعادتهم في كل عام.

فمع تهاوي أسعار صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي لم يعد الأهالي يطيقون ذرعًا بالغلاء الفاحش الذي طال كل شيء، فتكلفة زينة رمضان حاليًا أصبحت تعادل ثمن وجبة إفطار، أو سحور، لذا أصبحت بذخًا، ورفاهية لا لزوم لها.

جولات ميدانية

في الأيام التي سبقت الشهر الفضيل انهمكت سارة زيد في عقد جولات ميدانية مع مجموعة من شبان، وشابات المخيم، لتعسس أصحاب الحاجة الملحة وتقديم الطرود الغذائية والمساعدات العينية لهم التي يجمعونها من أهالي المخيم، والمغتربين في الخارج.

تصف زيد (28 عامًا) لـ"فلسطين" الحالة التي يمر بها لاجئي المخيم بالمتردية للغاية، فهناك بعض البيوت لا تدخلها الكهرباء، ولا حتى أنبوبة الغاز، ويستعيضون عنها بالحطب في الطبيخ، والتدفئة أيضًا.

وتقول زيد: "اليوم الشغل الشاغل للأهالي في المخيم توفير ثمن ربطة الخبز الذي تضاعف ثمنها خمس مرات، من 1500 ليرة إلى 50 ألف ليرة ما يعادل ثلاثة دولارات، واليوم تم استبدال التعامل التجاري بالليرة للدفع بالدولار، وهذا فاقم معاناة اللاجئين الذين يتقاضون أجورهم بالليرة حتى تخطى الدولار الواحد حاجز 90 ألف، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر".

وتضيف: "المساعدات الإنسانية سواء العينة أو المادية، تراجعت كثيرًا عن العام الماضي مع تضخم سعر الليرة، وجميعها يسير ببطء شديد".

وتردف زيد: "بعض البيوت تسترها جدران المخيم المليئة بالرطوبة، هناك جيران لي لم يشتروا اللحمة منذ عيد الأضحى الماضي، أما الدجاج فيزور سفرتهم مرة واحدة أو مرتين في الشهر".

وتشير زيد إلى وجود حالة من التكافل المجتمعي بين الجيران، ففي رمضان يقومون بتفقد من المعوزين بصحن من طبيخهم اليومي، وبعض المواد الغذائية لوجبة السحور.

توفير الغاز

وتنبه إلى أن أهالي المخيم كحال جميع اللاجئين بلبنان اتجهوا نحو الاقتصاد الشديد في مشترياتهم اليومية، وحتى أكلهم، فصحن السلطة لم يعد أساسيًا على وجبة الإفطار بشكل يومي، وبدلًا من صناعة صنفين أو ثلاثة من الأكلات، الاعتماد على صنف واحد يكفي لأكثر من يوم توفيرًا للغاز.

أما عن انقطاع التيار الكهربائي، فتلفت إلى أن كهرباء البلدية لا تأتي سوى ساعتين في اليوم، لذا يعتمد سكان المخيم على الاشتراكات الشهرية من المولدات في المخيم، والتي ارتفع سعرها أيضًا وأصبح أصحابها يحاسبون بالدولار، مما دفع الكثيرين لتخلي عن الاشتراكات، وأصبح الظلام هو رفيقهم الدائم.

ويصنف المخيم ضمن أفقر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ومعظم سكانه هم من ذوي الدخل المحدود، ويعمل الرجال كعمال موسميين في الزراعة وأعمال الإنشاءات والأعمال اليدوية، إضافةً إلى ذلك فإن البنية التحتية للمخيم تالفة، وفقًا لـ"أونروا".

دون تدفئة

أما اللاجئة الفلسطينية أم إبراهيم موسى، فتشير إلى أن رمضان هذا العام يمر على اللاجئين في ظروف اقتصادية صعبة للغاية، إذ اضطرت كثير من النساء الخروج للعمل في حصاد الخضروات، والحمضيات، أو في التطريز الفلاحي، من أجل مساعدة أزواجهن على صعوبة الظروف المعيشية.

وتقول موسى لـ"فلسطين: "أصبحت الأساسيات كالخبز، والزيت النباتي، والسكر، والتمر، وحتى الخضروات أمرًا بعيد المنال عن اللاجئين حيث ارتفعت أسعارهم بجنون يفوق الأربعة أضعاف عما كانت عليه في رمضان العام الماضي".

وتضيف: "كثير من الحاجيات الأساسية، والطقوس الرمضانية غابت هذا العام عن بيوت، وحارات المخيم، فلا زينة، ولا تمر يشق فيه الصائم ريقه على وجبة الإفطار، والمسخن، والمقلوبة، والكبة وهي الأكلات الفلسطينية الأشهر على وجبة الإفطار أصبحت معظم البيوت لا تطبخها، أو يتم إعدادها بلا دجاج، ولا لحم".

الاستغناء عن الولائم

والولائم هي نوع من التكافل الاجتماعي تكثر في رمضان، ولكن العام لن يشهد شيئًا مماثلًا، إلا في حدود ضيقة تقتصر على ولائم الأرحام فقط، دون الأقارب، والمعارف، والجيران، لأنها تحتاج إلى ميزانية عالية في ظل الغلاء، وفق موسى.

وتشير إلى أن مجموعة من الشباب يعقدون منذ خمسة أعوام مبادرة يطعمون الطعام، حيث يتولون إعداد وجبات إفطار ساخنة يوميًا، يتم توزيعها على اللاجئين الأشد حاجة، وهناك عدد من العائلات تضاف على القائمة يوميًا.

وفي ظل تدني درجات الحرارة، وبرودة بيوت المخيم لأن معظمها لا تدخلها الشمس، وسيئة التهوية، وغلاء أسعار الغاز، وانقطاع الكهرباء، ما البديل؟، تجيب موسى: "كثير من البيوت ألغت اشتراكات الكهرباء، ولم تعد تستخدم المدفأة التي تعمل بالغاز، حيث يتم إشعال الحطب من أجل تدفئة البيوت، مما تسبب بالعديد من حالات الاختناق".

وكانت الأمسيات الرمضانية، والمسابقات التي تقام بعد صلاة التراويح، تعطي رونقًا لليالي رمضان، لكنها اليوم تراجعت، وتكاد تكون تلاشت في ساحات مخيم برج الشمالي.