بنظرات حزينة تختبئ خلف ابتسامة حاول إظهار تماسكه أمام خالته، وبعينين ممتلئتين بدموع الحزن والحسرة، عاد معتصم جعابيص (14 عامًا) أشبه بطير مكسور الجناحين، يحمل وردة وهدية حاول تقديمها لوالدته الأسيرة إسراء جعابيص في يوم الأم العالمي، كما يفعل كل أطفال العالم بعدما رفضت إدارة سجون الاحتلال السماح له بإدخالها إليها.
في مقابل تعنت وصلف إدارة السجون، لم يكن أمام الطفل من خيار سوى وضع الهدية بجانب ركن بغرفته يضم هدايا عديدة تكدست بها وجمعيها نالت نفس العقاب.
وينتظر معتصم الأعوام الثلاثة والنصف المتبقية في حكم والدته البالغ أحد عشر عامًا، ليجتمعا معًا لكن حينها سيكون قد تجاوز سن الطفولة الذي لم يعشه.
فرحة غائبة
بجانب الهدايا المكدسة يستقبل معتصم شهر رمضان للعام الثامن على التوالي بعيدًا عن حضن والدته الذي حرم من الجلوس فيه منذ اعتقالها عام 2015، ولا زالت تعاني من حروق تغطي 60% من جسدها ووجهها ويرفض الاحتلال مداواة جراحها.
وإضافة إلى جعابيص يعتقل الاحتلال أربع أمهات أسيرات وهنّ: عطاف جرادات دون محاكمة وبنفس الطريقة يعتقل ياسمين شعبان، وفدوى حمادة المحكومة بالسجن 10 أعوام، وأماني الحشيم المحكومة بالسجن كذلك 10 أعوام.
بنبرة عطف تقول خالة الطفل منى جعابيص لصحيفة "فلسطين": "نحن كأمهات أصبح لدينا أحفاد، عندما ندخل إلى بيوتنا نبحث عن أمي، وننتظر أن ترد علينا حتى تبرد قلوبنا، فما بالك بطفل وحيد يعيش حياة غير مستقرة بعدما كان مدللًا وفجأة سُرق هذا الدلال منه؟".
في كل مرة يرافق فيها الطفل خالته أو جدته لزيارة والدته الأسيرة، تقيس إسراء طول طفلها لكن بطريقة غير التي اعتادها الناس خارج السجن، ينتزع المشهد ضحكة ممزوجة بالقهر من شقيقتها مستحضرةً أسلوبها: "تطلب منه الوقوف على حجر كل زيارة وبواسطة علامة معينة تحدد إن كان نمى جسده، وتكون سعيدة عندما تكتشف أنه كبر".
اقرأ أيضاً: تقرير بيوت الأمهات الأسيرات في رمضان.. قناديل مطفأة
وتحاول عائلة جعابيص جاهدة عدم ترك الطفل وحيدًا واصطحابه في كل المناسبات العائلة، لكن هذا بالنسبة لخالته لا "يغني ولا يعوض لحظة واحدة من دور الأم، فدائمًا يحاول رسم ابتسامة فرح لكنه يبحث في وجوه الحاضرين عن والدته".
طفولة لم يعيشوها
أما الأسيرة فدوى حمادة (35 عامًا) فأُجبرت على ترك أطفالها الخمسة لوالدتها المسنة لترعاهم منذ خمسة أعوام ولا يزال في حكمها خمسة أعوام أخرى كي تتنفس الحرية وتعود إلى أطفالها الذين سيودع بعضهم حينها سن الطفولة.
وفي وقت كان أصغر أبنائها يبلغ 17 عامًا، عادت السيدة المسنة للتربية من جديد في رعاية حفيدتها مريم وكانت آنذاك طفلة رضيعة لم تزد عن أربعة أشهر، وأصبحت اليوم بعمر ست سنوات، عانت في رعايتها وتربيتها، حتى كبرت الطفلة وأصبحت تنادي جدتها "ماما".
مع بداية رمضان تزداد معاناة أبناء الأسيرة حمادة، بعيدًا عن أحضان أمهم، تقول جدتهم لصحيفة "فلسطين" ومن سماعة الهاتف يُسمع بوضوح صوت لعب وركض أحفادها: "رغم أني ربيتهم وتعبت في ذلك، إلا أن دوري لا يعوض والدتهم، وأثناء زيارتهم لها لا يتوقفون عن البكاء وطلب الإفراج عنها".
زارت والدة الأسير قبل يومين ابنتها في سجون الاحتلال، ملامح شاحبة ونظرات ألم وصوت قهر وحسرة، وقصة وجع أم محرومة من أطفالها ترويها والدتها قائلة: "نفسيتها متعبة، تريد الحرية والعودة لأطفالها، تسأل عن أحوالهم وتوصينا عليهم، قلبها يتقطع بعيدًا عنهم".
والشهر الماضي اصطحبت الجدة حفيدتيها سدين (12 عامًا) ومريم (6 أعوام) لزيارة أمهنّ بعد فترة عقاب منع فيها الاحتلال الأسيرة حمادة من الزيارة، في لقاء سيطرت عليه دموع شوق للقاء طال انتظاره، تستذكر: "من لحظة دخولنا للسجن حتى انتهينا، لم تتوقف البنتان ولا أمهن عن البكاء، حتى أن ابنتها الصغرى ألحت على الدخول عند أمها لكن السجان لم يسمح لها".
وإضافة إلى الطفلتين سدين ومريم، فإن الأسيرة حمادة لديها ثلاثة أبناء ذكور وهم حمادة (13 عامًا) ومحمد (9 أعوام) وأحمد (7 أعوام)، وحاليًّا يسكنون مع جدتهم في بلدة صور باهر شرقي القدس المحتلة، تقول جدتهم: إن حالتهم النفسية تسوء في شهر رمضان، وهو شهر صلة الرحم تتجمع فيه العائلة على موائد الإفطار بينما يحرمون هم من والدتهم.