في أحاديثنا اليومية وحواراتنا كثيرًا ما نردد أنّ إرضاء الناس غاية لا تدرك، فمهما حاولت أن تفعل من أجل أن تتفادى كلامهم، فإنّ فريقًا منهم لن يعجبهم حتى لو فرشت لهم الأرض ورودًا، وتجدك تردد المثل الشعبي: "بين حانا ومانا ضاعت لحانا".
تحدثنا الراوية الباحثة الفلسطينية باسلة العناني عن قصة المثل، بأنّ رجلًا كبيرًا في السن تزوج من امرأتين "أمكر من الجن"، واحدة صغيرة ذات حسن وبهاء، والثانية كبيرة لا ينقصها الدهاء، حانا صغيرة ليس فيها عيب، ومانا كبيرة ملأ رأسها الشيب.
دخل الزوج على زوجته الصغيرة ذات البهاء البيت لتستقبله "أهلًا أهلًا زوجي العزيز، يا مرحبًا تفضل اجلس لنتحاور، فأمشط لك شعرك، ونحن نتسامر.
فجأة صرخ الزوج متألمًا: "آآآآآآآآخ ماذا تفعلين يا حانا، لماذا تنتفين شعر ذقني؟ لقد أوجعتني، وبفعلتك آلمتني"، بمكر ومسكنة ردت: "اعذرني يا زوجي العزيز، أيها المحبب، ولكن يصعب عليّ أن أرى الشعر الأشيَب في شعرك يلعب".
أمضى صاحبنا ليلته في مخدع زوجته، لم يعكر صفوه إلا ما خطر في ذهنها من مكيدة، فقرر الذهاب إلى الثانية في الحال لعله ينام مرتاح البال، يطرق الباب وإذ بـمانا ترحب به "أهلًا بزوجي الجليل لقد مضى وقت طويل ولم تُرنا فيه طلعتك البهية، أرى على وجهك التعب، هل أنت عليل؟"، يتعلل: "لا يا زوجتي الحكيمة، الشوق قد غلبني وإلى مجلسك جلبني، فحضّري الطعام ولا تكوني لئيمة".
في لحظة صفاء صرخ الزوج: "آآآآآخ، أنتِ أيضًا يا مانا ماذا تفعلين وبلحيتنا ماذا تصنعين؟، بصوت مستكين ترد مانا: "يا قُرة عيني، الشعر الأسود يزعجني، ووقارك جدًّا يفرحني، فالأبيض يعطيك الهيبة، والقدر يكتمل بشيبة".
جنَّ الزوج وأخذ يُحدّث نفسه: "ما بالهما هاتان المجنونتان؟ وبنتف شعر ذقني مغرمتان!".
خرج الزوج متعكر المزاج إلى محله في السوق، وإذا بفتى يناديه "يا عم يا عم"، ليتلفت إليه مرددًا "هيّا ماذا تريد يا فتى؟ أزعجتني بصياحك، وصممت أذني بنواحك"، ضحك الفتى قائلًا: "ما بال لحيتك؟ فأنا أعرفك من قبل، وهذه ليست بحالتك!".
تعجَّب الرجل: "ماذا تقول يا ولدي أنا لم أفهم ما تعنيه؟ ولكنك أفزعت كبدي؟"، ثم بصوت خافت تساءل: "ما به هذا الفتى؟ وماذا يقول؟ هل هو عاقل أو مسطول؟".
هرع إلى بيته مذعورًا ينادي بصوت عالٍ: "حانا مانا أعطوني المرآة بسرعة"، يبكي ويتمتم: "يا للهول أصبحت أمردًا، حان الأبيض، ومان الأسود، بين حانا ومانا ضاعت لحانا".
وذهبت هذه القصة مثلًا وأصبح يضرب في الحيرة لإرضاء الآخرين، حيث لا مفر ولا مهرب، فيضيع بين الأول والثاني، لا تأخذه رحمة أو شفقة، كمسمار بين سندان ومطرقة.