فلسطين أون لاين

داخل ورشة مصغرة في منزلها 

"رزان" تصنع ذاتها بتحف خشبية منحوتة.. ورمضان "موسمها المميز"

...
"رزان" تصنع ذاتها بتحف خشبية منحوتة.. ورمضان "موسمها المميز"
غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

تقضي الشابة رزان البورنو قبيل شهر رمضان الكريم وفي أثنائه ساعات طويلة في غرفتها التي حولتها لورشة نجارة مصغرة تصنع بداخلها تحفاً خشبية تصممها بكل شغف، ما يجعلها تشعر بالرضا عن ذاتها.

ففي داخل ورشة "رزان" المصغرة خلال الشهر الكريم تجد فوانيس وأهلّة خشبية بمختلف الأحجام قد صنعتها بدقة وحرفية، لتكون حاضرة في بيوت زبائنها الذين يبحثون عن بضاعة مميزة، يمكنهم اختيار أشكالها وأحجامها وفق ما يناسبهم.

لغة جديدة

ورزان التي لم تتوقع يوماً أن تصبح لغة حديثها اليومية تدور حول "منشار أركيت، ومنشار زاوية، وجاكسون، وفريزة، وجلخ" تلك الآلات التي تُعد غريبة بالنسبة للفتيات لكنها راضية عن كونها طرقت مجالاً جديداً، هو نحت وحفر الخشب بواسطة الآلات.

قبل أن تصل الفتاة العشرينية لتلك المرحلة كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في الحفر اليدوي على الخشب بواسطة "المدقة" و"الإزميل" حيث أنتجت منحوتات حازت إعجاب المحيطين بها، ما جعلها تطور عملها وصولاً لإنشاء ورشة نجارة خاصة بها في منزل عائلتها.

قبل التنفيذ تقضي البورنو وقتاً طويلاً في تصميم المنحوتات الخشبية، وطباعة تلك التصاميم على أوراق وصولاً لتنفيذها على أرض الواقع في ورشتها وطلائها، ثمّ تسويقها للزبائن.

وتقول رزان إنها منذ أن التحق بالجامعة وضعت نصب عينيها استثمار مواهبها بما يضمن لها فرصة مشروع خاص يقيها "الانتظار المطول" في قوائم الخريجين للحصول على وظيفة، إلى أن اهتدت لتوظيف حبها لـ "نجارة الخشب" وشغفها الفني في مشروعٍ صغير يشغل وقتها ويدر عليها دخلاً.

سوق العمل

درست رزان "23 عاماً" التكنولوجيا الحيوية وهي من التخصصات قليلة الفرص في سوق العمل الفلسطيني، لذا اختارت الغوص في "النجارة" على الرغم من عدم تشجيع المحيطين بها في البداية وحثهم لها على اختيار مجال أنثوي مألوف كالتطريز والأشغال اليدوية.

لكن حب رزان لطرق مجالات جديدة والخروج عن المألوف جعلها تصمم على مشروعها، رغم نظرات الاستغراب التي تتلقاها حتى اللحظة من أناسٍ كثر.

وكانت البداية عندما أُعجبت رزان في عام 2019م بفن الرسم على الخشب بواسطة المسامير وأنتجت تحفة فنية لاقت إعجاب مَنْ حولها، وقد دفعتها هذه التجربة لتطوير مشروعها وتوسيعه، ثم اتجهت لتسويق منتجاتها للجمهور من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة في المعارض الفنية، "لكن هذا لم يلبِّ طموحي وبقيت أبحث عن شيء يرضي شغفي بشكل أكبر".

بقيت رزان على ذلك إلى أن التحقت في عام 2021م بمشروع ممول للحفر والنقش على الخشب تعلمت فيه أساليب استخدام الآلات للحفر على الخشب وأصول السلامة المهنية في أثناء العمل، ومشروع آخر عن ريادة الأعمال حصلت من خلاله على تمويل لمشروعها الخاص "المنجرة"، "والآن أطور مهاراتي من خلال الإنترنت ومتابعة كل ما هو جديد في هذا المجال".

وتنتج البورنو قطعا فنية تمثل تحفا وهدايا وديكورات للبيوت تعرض نماذج منها للتسويق، ثم يطلب منها الزبائن مثلها تماماً أو التعديل عليها وفق ذوقه الخاص.

وتختلف أسعار المنحوتات حسب نوع الخشب والجهد المبذول في صناعة القطعة، مشيرة إلى الأخشاب الرخيصة قد تفي بالغرض لكن الأخشاب المرتفعة الثمن تعطي مظهرًا جماليًا وجودتها أكبر وهذا يرفع من تكلفة إنتاجها".

مراحل كثيرة

وتمضي رزان أحياناً يومها كاملاً في إنتاج القطع الفنية، خاصة إذا ما كانت تحتاج للعمل بالآلات والعمل اليدوي سوياً، "فمراحل العمل تبدأ بقص الخشب ثم التشكيل ثم الطلاء حيث يساعدها فيه أشقاؤها عندما يكون لديها كم كبير من العمل".

وتعد البورنو أن رمضان هو موسم العمل المميز بالنسبة لها، الذي تبدأ بالتحضير له قبل ثلاثة أشهر تقريبا، فتقضي وقتاً طويلاً في تصميم رسومات وأشكال للزينة تميزها عن الموجود بالأسواق، خاصةً أنها تعمل بمفردها في الورشة.

وتلفت إلى أن الحفر اليدوي يأخذ وقتاً أكبر من العمل بالآلات، "وأكثر عقبة تواجهني هو أنني أقوم بكل مراحل الإنتاج وحدي غالباً، فأنا بحاجة كبيرة لفريق عمل ولكن هذا الشيء لا يمكنني أن أتحصل عليه دون أن يدر مشروعي دخلاً مرتفعاً يُمكنني من توسيعه".

وعلى الرغم من تحويل رزان غرفة في منزلها لورشة نجارة فإنها تحتاج أحياناً لمنجرة ذات إمكانات أكبر لقص وتشكيل الخشب في حالة التعامل مع لوح خشبي كبير، أما في لجوئها لإعادة تدوير بعض الأخشاب فتنجزها في منجرتها الصغيرة داخل غرفتها.

وتطمح رزان بعد تطوير مشروعها إلى أن تستثمر في "تقنية زراعة الأنسجة النباتية" التي تعلّمتها من خلال تخصصها الجامعي لإنتاج أنواع من الأخشاب غير الموجودة بغزة بكمية كبيرة، لاستخدامها في عملها من خلال زراعتها في قطعة أرض بغزة، بما يُمكنها من توسيع ورشتها وتشغيل عدد من العمال معها.

وتُبدي سعادتها بعملها الذي يشغل وقتها بين تصميم على الورق ثم تنفيذه لتحصل على منتج جميل يشعرها بالرضا عن النفس، ويلقى إعجاباً من المحيطين بها، ما يعزز ثقتها بنفسها، داعيةً كل شاب وفتاة لئلا يستسلموا للتحديات التي تواجههم ويسعوا لتكوين مشروعهم الخاص بهم برغم كل العقبات.