فلسطين أون لاين

تقرير في "سجن" خلفه جدار تعيش عائلة سعدات غريب

...
في "سجن" خلفه جدار تعيش عائلة سعدات غريب
القدس المحتلة–غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

في "سجنٍ صغير" تقبع عائلة غريب المقدسية، بعد أن التهم الاستيطان المساحات حوّل منزلها الذي تُلازمه منذ عام 1979م وترفض الخروج منه أو تركه مهما كانت المغريات أو التهديدات.

ينظر سعدات غريب بأسى كلّ صباح من نوافذ منزله المحاطة بالحديد من كلّ جانب، ولا يستوعب كيف لم يتبقَّ للعائلة من قرابة مئة دونم في قرية بيت إجزا شمال غربي القدس المحتلة، سوى هذا المنزل الصغير.

وفي عام 1979 أراد المستوطنون سلب أربعين دونمًا من المساحة الإجمالية، واستغلوا فترة توقف التقاضي في محاكم الاحتلال على الأراضي بعد توقيع اتفاق أوسلو بين (إسرائيل) ومنظمة التحرير، بوضع اليد على تلك المساحة.

ولكنّ المستوطنين لم يستطيعوا مصادرة المنزل الذي بنته العائلة بما يسمى "ترخيص إسرائيلي" في عام 1979م، ومنذ ذلك الحين وهم يحاولون بجميع الطرق إخراج أهله منه بعد أن بات واقعًا في منتصف مستوطنة "جفعون حداشاه".

يقول سعدات لصحيفة "فلسطين": "استصدَروا سبعة قرارات هدم، لكنهم وقفوا عاجزين قضائيًّا أمام الأوراق الثبوتية التي نمتلكها".

ويضيف يوجد 60 دونمًا للعائلة خلف الجدار العنصري الفاصل، "وقد وضعوا سياجًا حول البيت، ومنذ ذلك الوقت وهم يضغطون علينا تارةً بإطلاق النار وقنابل الغاز، وأخرى بالمولوتوف والحجارة، لكننا صامدون".

وفي عام 2007م وضع المستوطنون بوابة إلكترونية على باب المنزل تُفتح من داخل مركز شرطة الاحتلال، ولا يسمح لأحد بالدخول سوى أن يكون من أبناء العائلة، وتظلُّ البوابة مغلقةً لثلاث أو أربع ساعات يوميًّا، ولا يمكن لأحد زيارتهم سوى بـ"تصريح" مسبق.

وبعد مرحلة التقاضي أُعيد فتح البوابة طوال اليوم، لكنّ الأمر لا يسلم من مضايقات جنود الاحتلال الذين يطالبون بإغلاق البوابة مجددًا بدعوى الخشية على حياة المستوطنين.

ويسكن سعدات وزوجته وأولاده الأربعة ووالدته في البيت المحاط بكاميرات مراقبة، وبمجرد حدوث مواجهات ينزل الجنود إلى البوابة، ويُدقّقون في هوية كل داخل وخارج ويحققون معه عن وجهته.

وكلما اشتعلت الأوضاع في فلسطين بأكملها، يصبُّ جنود الاحتلال جامّ غضبهم على أهل البيت، فيطلقون قنابل الغاز بكثافة على المنزل، في حين يُلقي المستوطنون الحجارة ويصرخون بعبارات عنصرية كـ"الموت للعرب".

وتعرَّض أبناء العائلة لاعتقالات متكررة عانى منها والدهم (توفي في العام 2012م) إذ اعتُقل قرابة ثلاثين مرة، كما اعتُقل سعدات وأشقاؤه ووالدته مرارًا، وتعرّضت شقيقاته للإصابة.

ولا يسمح الاحتلال للعائلة بالوصول إلى الستين دونمًا المتبقية وراء الجدار والمزروعة بالعنب والزيتون سوى مرتين في العام الواحد، ولعدة أيام في المرة الواحدة، "ولا يكون الأمر سهلًا إذ لا تُفتح البوابة إلا وفق مزاج قوات الاحتلال والتي تفتحها عادةً في الساعة التاسعة، وأصل الأرض في العاشرة ثم أنصرف في الثالثة، فبالكاد أستطيع رؤية أرضي".

ويشير سعدات إلى أن بوابة الجدار التهمت 15 دونمًا من أرض العائلة، وثلاثة دونمات أخرى أنشأ فيها المستوطنون بئرًا للمياه وحديقة وموقفًا للسيارات، وقد استصدر سعدات قرارًا من المحكمة باستعادة الأرض في عام 2013، ولكن لم يُنفذ حتى اللحظة.

وعرض المستوطنون مبالغ باهظة على العائلة مقابل التنازل عن المنزل، لكنّ والدي قال لهم مرة: "لو دفعتم مال (إسرائيل) في الداخل والخارج لن أتنازل عن ذرّة تراب من أرضي"، وهو الرد نفسه الذي يُسمعه سعدات للمستوطنين في كل مرة يجددون فيها عروضهم اللانهائية.

تنسيق مسبق

وتقع قرية بيت إجزا إلى الشمال الغربي من القدس المحتلة، إذ اقتطع الاحتلال 1200 دونم من أراضيها داخل جدار الفصل العنصري، ويحيط بها مستوطنات "جفعون حداشا" و"جفعات زئيف" وتقع بين قريتيْ بيت دقو وبدو.

أما المدخل الرئيسي للقرية فهو من طريق النفق الواصل بين بلدة بدو والجيب، وهي تمثل منطقة تماس أسبوعي مع قوات الاحتلال عند بوابة الجدار.

وتتأثر معظم المحاصيل المزروعة في تلك الأراضي بسبب غياب المزارعين قسريًّا عنها، وحرمانهم من دخول أراضيهم.

وتعاني القرية كثيرًا بسبب حصار الاحتلال لها، كما تقول الناشطة سوزان الشيخ، إذ لم يتمكن المزارعون من جني ثمار العنب ما أدى إلى تلف كامل المحصول.

وفي موسم الزيتون سُمح للمزارعين بدخول الأراضي لمدة أربعة أيام فقط بعد الحصول على "تنسيق مسبق" لكل شخص يود الدخول لأرضه، "ورغم أنّ موعد الدخول في السابعة والنصف صباحًا، إلا أنهم يفتحوا البوابة في التاسعة، عدا عن إجراءات التفتيش وإرجاع البعض".

وتذكر الشيخ لصحيفة "فلسطين" أنّ أغلب عمليات البناء والترميم توقفت بذريعة ضرورة وجود "ترخيص إسرائيلي" وليس فلسطينيًّا، مبينةً أنّ "رخصة البناء الإسرائيلية" تكلف 80 - 100 ألف شيقل.

وتضيف أنّ قوات الاحتلال تنصب "حواجز طيّارة" على مداخل قرية "بيت إجزا"، وتتعمد تأخير الطلاب عن مدارسهم والعمال عن عملهم، كما تمنع البناء في المناطق القريبة من الجدار وتُصادر خلاطات الباطون أكثر من مرة.

ويدرس طلبة المرحلة الثانوية في القرى المجاورة، ويضطرون للمشي نحو كيلو ونصف للوصول إلى مدارس قريتي "بدو" و"بيت دقو" المجاورتيْن.

ويعمل أهالي القرية في مجالي البناء والزراعة، كما يعمل عدد كبير منهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وتفتقر "بيت إجزا" للحدائق العامة والمتنزهات ولا يوجد فيها أيُّ مركز صحي، ويوجد فيها فقط دكاكين صغيرة لتقضي الحاجة الوقتية لأهلها، ومخْيطة لنساء من القرية والقرى المجاورة، ومحل تنجيد، ولا يتجاوز عدد سكانها الألف نسمة.