يقف الشاب عبد عجاج من قرية بيت إكسا شمال غرب القدس المحتلة عاجزًا عن استصلاح أراضي عائلته بحجة وقوعها في المنطقة "ج"، إذ كانت تلك الأراضي يومًا ما خضراء لكنها باتت جرداء بفعل ممارسات الاحتلال الخانقة.
ظل عجاج صامدًا في القرية بالرغم من ممارسات الاحتلال لتهجير أهلها البالغ عددهم 1800 فلسطيني، لكنه لا يعرف سبيلًا لممارسة عمله الزراعي في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الاحتلال والمحاصرة بالمستوطنات.
ويقول عجاج لصحيفة "فلسطين": إن سلطات الاحتلال تمنع المواطنين من التصرف في غالبية أراضيهم بدعوى أنها موجودة في مناطق سيطرتها الإدارية والأمنية، مضيفًا: "يُسمح لنا بالتصرف في منطقة محدودة جدًّا، في حين أني أملك حوالي 20 دونمًا قرب الجدار العنصري الذي يعزلنا عن القدس، ولا يُسمح لي بالوصول إليها".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحتى الأراضي البعيدة عن المستوطنات لا يُسمح لأهالي القرية باستثمارها، "وقبل مدة بسيطة كنتُ أستصلح عشرة دونمات بعيدة عن المستوطنات وأحراشها، تفاجأتُ بجنود الاحتلال يمرون من المنطقة، هربتُ أنا والعمال حتى لا يصادروا الآليات، ففوجئتُ في اليوم التالي بهم وقد تركوا لي رسالة بمنع العمل في الأرض"، يتابع حديثه.
ويردف: "هم يراقبوننا جوًّا، إذ تخرج طائرات بدون طيار للتصوير كل ثلاثة أو ستة أشهر، ويشترطون علينا الحصول على تصريح لاستصلاح الأراضي، وهم أساسًا لا يمنحونا هذا التصريح، ويريدون تعجيزنا فقط".
ويبيّن أن الوضع الصعب في القرية والغلاء الفاحش في أسعار الأراضي في المنطقة المسموح بإعمارها والبناء فيها دفع كثيرًا من الشباب للاستقرار خارجها وشراء شقق هناك للزواج.
ويلفت إلى أن إجراء مراسم الزفاف في بيت إكسا بالغ الصعوبة؛ بسبب البوابة التي تغلق القرية ويتحكم بها جنود الاحتلال في الداخل والخارج، فيمنعون دخول من تدّعي أن عليهم "شبهات أمنية"، ما يعني أنه قد لا يصلك سوى جزء بسيط من المدعوين للفرح.
ويشير إلى أن اقتران الشباب بفتاة أو شاب من خارج القرية أمر معقد، إذ يحتاج الأمر لاستصدار تصاريح مما تُسمّى "إدارة الشؤون المدنية" التابعة للجيش، لذلك يلجأ الشباب لإقامة غداء "الزفاف" فقط في القرية وبقية مراسمه في الخارج.
مزاجية على الحاجز
أمّا رئيس المجلس البلدي لبيت إكسا مراد زايد فيُبيّن أن القرية التي كانت سابقًا ضمن قرى شمال غرب القدس وتبعد عنها قرابة 8 كيلومتر، أصبحت حاليًا محاطة بالمستوطنات من الجوانب كافة، ويصلها بالعالم الخارجي حاجزٌ يتحكّم فيه جنود الاحتلال.
ويقول زايد لصحيفة "فلسطين": "لا يسمح هؤلاء الجنود إلا بمرور مَن يحملون هويات مكتوب فيها مكان الإقامة "بيت إكسا"، أمّا أيُّ زوار من الخارج فيجب أنْ يمروا بتصريح مسبق أو حضور عضو من أعضاء المجلس البلدي، وحتى البضائع يجب أن تخضع للتنسيق"، مبينًا أن أي زائر تحتجز هويته حتى الحادية عشر مساءً ويجب عليه المغادرة بعد هذه الساعة.
ويدرس الطلبة في مدارس "بيت إكسا"، ما عدا طلبة الفرع العلمي (ذكور وإناث) والجامعيين والموظفين الذين يعملون خارج القرية.
ويردف زايد قائلًا: إن الصباح لهؤلاء عبءٌ كبير، ويعني العودة للعراك المستمر مع جنود الاحتلال على الحاجز، إذ يتعمّدون تأخير فتحه لإعاقة المارّين بعد إخضاعهم لتفتيشٍ قاسٍ، وقد تُغلق البوابة لساعات أو أيام.
ولا يوجد خط مواصلات خاص بالقرية، بل باصات تقوم عليها "جمعية بيت إكسا للنقل" هي المكلفة بالنقل من وإلى القرية، وعند العودة إليها يُنزل الجنود الشبان ويفتشونهم، في حين تصعد مجندة للباص لتفتيش الفتيات.
أراض بور
ولا تحظى القرية بأيّ حركة تجارية كونها محاصرة، فلا يوجد بداخلها سوى عدد من البقالات التي تؤمّن بعض مستلزمات الأهالي، الذين يعتمدون في تسوقهم على الأسواق خارجها.
أمّا الزراعة فلها قصةٌ أخرى، فمن أصل 16 ألف دونم هي مساحة القرية الكلية لا يسمح للمواطنين سوى البناء والزراعة في 650 دونمًا فقط، أما البقية فلا يسمح باستصلاحها، ما جعلها أراضيَ بورًا.
وأكثر أهل القرية معاناةً هم أربع عائلات رفضت أن تخلي بيوتها، وأصبحت ضمن نطاق مستوطنة "ريموت"، إذ يتعرض لهم المستوطنون بإعطاب سياراتهم وخطّ عبارات عنصرية على بيوتهم، ويُمنعون من ترميم بيوتهم واستصلاح أراضيهم.
وتعاني القرية كذلك من نقص في الخدمات، إذ لا يسمح لها بتزويد الخدمات سوى في المنطقة المسموح البناء فيها، "وبذلك تُعدّ سجنًا كبيرًا، فلا يوجد فيها سوى مركز صحي، يعمل ثلاثة أيام في الأسبوع فقط، في حين تُنقل الحالات المرضية الطارئة خارج القرية، وتعاني الإسعافات في المدخل من إعاقة جنود الاحتلال لها دون مراعاة للوضع الإنساني"، كما يؤكد زايد.
ويرى أن التضييق على القرية يهدف الاحتلال منه لإفراغها من الشباب أولًا، ثم إفراغها تدريجيًا بالكامل من أهلها والسيطرة على أراضيها لصالح المستوطنين.