كثف العدو الصهيوني مؤخرًا جرائمه المروعة عبر "الوحدات الخاصة"، لاغتيال قيادات وكوادر ونشطاء المقاومة في الضفة الغربية، أو اعتقالهم في محاولة يائسة لردع المقاومة، وإرباك صفوفها، ونشر الذعر بين المواطنين، وإظهار قدرته على الوصول إلى المقاومين على الرغم من وجودهم داخل المخيمات، هذا الأسلوب لم يكن جديدًا فهو سياسة عمل، بل إستراتيجية ثابتة في عمل الاحتلال، استخدمت في جميع الأراضي الفلسطينية، ومن قبل استخدمت في ساحات عربية وإسلامية وأوروبية لتعقب كل من يشكل خطرًا على العدو، سواء كان مقاومًا، أو باحثًا، أو عالمًا، أو إعلاميًّا وغيرهم ممن يساهمون في إزعاج وتهديد هذا الكيان بغض النظر عن جنسياتهم.
هذه الوحدات الخاصة لا تملك قدرات خارقة، ولم تكن يومًا أكثر جرأة من المقاومة الفلسطينية، وفي كل عملياتها التي نفذت في الأراضي الفلسطينية كانت تتحرك بغطاء جوي، وإسناد من قوات متعددة، فضلًا عن تعاون العملاء، وإذا ما تحدثنا عن الجريمة التي نفذتها هذه الوحدات مساء الخميس في "جنين"، وأدت إلى ارتقاء أربعة شهداء بينهم قياديين من كتائب القسام وسرايا القدس، فقد استخدمت هذه الوحدة سيارات مدنية، وربما تكون مصفحة، وتحركت لتنفيذ جريمتها بعد تغطية من القناصة في محيط المنطقة، وبإسناد مباشر من عشرات الدوريات العسكرية المصفحة، ومع غطاء جوي من طائرات الاستطلاع، إلا أنها غادرت مرتبكة وخائفة ويلاحقها عشرات الشبان من المخيم، ورشقت سياراتها بالحجارة والآلات والأدوات الحادة، ولو وجد مسلحون في تلك المنطقة لحدثت كارثة محققة في صفوف هذه القوات.
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن المقاومة الفلسطينية نجحت مرارًا في إفشال مهمة هذه القوات النخبوية، بل وأوقعت فيها إصابات مباشرة في أكثر من مناسبة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ويكفي للدلالة على ذلك أنه وبعد خوض اشتباكات بينها وبين المقاومين في الضفة تحديدًا في نابلس، وجنين، كانت تحضر الطائرات المروحية وسيارات الإسعاف المصفحة لنقل الجرحى، وربما كان بينهم قتلى، لكن العدو لا يعترف بخسائره، ويتكتم على الخسائر في صفوفه، وذلك في إطار الحفاظ على صورة وهيبة هذه القوات، وعدم رفع معنويات الفلسطينيين.
ويحضرني في هذا المقام ما حدث في قطاع غزة، وتحديدًا شرق محافظة خان يونس في عملية (حد السيف)، حين استطاعت كتائب القسام كشف وحدة (سيرت متكال) واشتبكت معها، وقتلت قائد القوة وأصابت آخرين منهم، وغنمت " أسلحة، وأجهزة، ومعدات"، ولولا تدخل طائرات العدو والقصف الجنوني في محيط المنطقة، لوقع هؤلاء أسرى في قبضة كتائب القسام.
كانت هذه العملية من أهم وأبرز العمليات التي تنفذها المقاومة في مواجهة أكثر القوات نخبوية في جيش الاحتلال، والتي كان لها ارتدادات كارثية على هذه القوة ومن يقف خلفها في المستوى السياسي والأمني داخل كيان الاحتلال، فما حدث بمثابة إنجاز نوعي للمقاومة، وعار لحق بهذه القوة سيكتب في سجلها، ويمكن للمقاومة أن تكرر هذه العملية إذا ما غامر العدو مجددًا.
الأمر ذاته ليس بعيدًا عن الضفة الغربية فقد أصبحت المقاومة هناك مهيئة للتعامل مع هذه القوات، وتمكنت مرارًا من اكتشافهم والاشتباك معهم وأوقعت فيهم إصابات مباشرة، ليس هذا فحسب
فقد ساهم وعي جماهير شعبنا واستعدادهم الدائم في تعطيل وإعاقة الكثير من مهام هذه القوات، مع انخراط هذه الجماهير في المقاومة الشعبية بما يمتلكون من أدوات.
لذلك فإن مستقبل عمل القوات الخاصة في الضفة سيكون أمام تحديات كبيرة مع وجود هذه المعطيات، إذ يمكن للمقاومة في محافظات الضفة أن تنجح في وضع حد لهذه القوات في أي مواجهة قادمة، وأن إمكانية تنفيذ عملية (حد السيف 2) في الضفة واردة، وربما تدفع هذه القوات الثمن بشكل غير متوقع، الأمر الذي سيجعلها تتردد في الدخول للمناطق في الضفة كما حدث معها في غزة، لكن الأمر يحتاج مزيدًا من اليقظة والاستعداد من المقاومة، والتجهز لإغلاق الحساب مع هذه القوات حتى تدرك أن كلفة المواجهة باهظة.