فلسطين أون لاين

"بهار الشمس المشرقة".. مغامرة زراعية تُزيِّن حقل بني عودة

...
زعفران
نابلس/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

يحصد المزارع جابر بني عودة اليوم ثمار "مغامرة زراعية"، خاض غمارها منذ ما يزيد على ست سنوات، ليحظى اليوم بالمنظر الخلّاب لأزهار"الزعفران" في حقله الموجود على جبل الكروم جنوب نابلس حتى أصبح مزودًا لمزارعين آخرين بالأبصال المنتجة محليًّا.

فكرة زراعة الزعفران "الذهب الأحمر" الذي يعدُّ من أغلى التوابل في العالم اختمرت في رأس بني عودة منذ عام 2017م؛ لأنه أراد أن يزرع شيئًا جديدًا ليس موجودًا في فلسطين، فـ"بني عودة" منذ نعومة أظافره وهو يعيش في بيئة تهتم بالزراعة، فوالده مهندس زراعي ومنذ أن عاد من غربته في الخليج وهو لا ينفك عن زراعة كل ما يمكنه زراعته.

يقول بني عودة: "لدينا كرم عنب وحقول زيتون وأخرى للأعشاب الطبية، لكنني فكرتُ أن أزرع شيئًا غير مألوف، فراقت لي فكرة زراعة الزعفران وبدأتُ في البحث حول النبات وكيفية زراعته، عرضتُ المشروع على وزارة الزراعة لكنهم رفضوا تمويله إلى أن حصلتُ على تمويل عبر مؤسسة الإغاثة الزراعية".

والعقبات التي اعترضت المشروع جعلت بني عودة أكثر تصميمًا، منها مكان "الزراعة البكر للنبتة" ونقطة الانطلاق لزراعتها في فلسطين، وكانت العقبة الأكبر هي جلب "أبصال الزعفران" من الخارج التي وفرتها الإغاثة الزراعية.

بيئات مختلفة

خاض بني عودة عدة تجارب حتى نجحت زهرة "بهار الشمس المشرقة" في النمو على أرض نابلس، قائلًا: "أرض فلسطين فعلًا مباركة، وهي تحتوي على جميع الأقاليم المناخية، فمنها الصحراوي وشبه الصحراوي والمعتدل، والزعفران يُزرع في بيئات مختلفة".

ويشرح أن أزهار الزعفران في الجزائر تنمو في التربة الرملية ضمن وسط جوي بحرارة مرتفعة جدًّا، وكذلك ينمو في كشمير حيث البيئة الباردة جدًّا وسط الثلوج، إذ يعدُّ الزعفران الكشميري من أجود أنواع الزعفران بالعالم".

هذا الأمر شجع بني عودة أكثر على تجربة زراعته في فلسطين، "فهذا النبات بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من تراب الجنة، وأرض فلسطين مباركة، فنجحت زراعته فيها".

ويشير إلى أن للزعفران فوائد كبيرة فهو يقوي الشعر وينقي البشرة، ويعالج القولون العصبي والمياه البيضاء في العين، وينشط الأعصاب، وتُنفذ حاليًّا دراسات على إمكانية الاستفادة منه في علاج السرطان وغيره، "وهذه الفوائد العلاجية جعلت عليه طلبًا كبيرًا من شركات الأدوية ما جعل ثمنه باهظًا".

وبجانب الفوائد السابقة فإنه أحد التوابل المميزة التي تُضاف للطعام والقهوة، خاصة في دول الخليج العربي التي يُعدّ فيها تقديم القهوة بالزعفران للضيف علامة لثراء البيوت المضيفة.

ويشير إلى أن جبال فلسطين (كجبال نابلس والخليل ورام الله) بيئة مناسبة جدًّا لزراعة الزعفران الذي ينمو في كل أنواع المناخ والتربة عدا التربية الطينية فهو يحتاج إلى بيئة متفككة، "فالزعفران الذي يمكن حصاده من الجبال أكثر جودة من المزروع في مناطق أخرى".

حاضنة زراعية خاصة

ويمضي بني عودة إلى القول: إن التربة تجعل المنتج من الزعفران يختلف من تربة لأخرى، فالزعفران الإيراني يختلف عن الإسباني والمغربي، وكل "بصلة زعفران" توضع في تربة تكتسب جزءًا من خواصها فيكون الناتج مزيجًا من النبات الأصلي والتربة.

ويحيط بني عودة الزعفران بظروف زراعية خاصة، إذ يستخدم السماد الطبيعي، ويعمل على تعشيب الأرض يدويًّا، "ما جعل المنتوج من أفضل أنواع الزعفران بحسب شهادة أصحاب محال عطارة عرضتُه عليهم".

ويضيف: "بمجرد أن يفتح الشخص العبوة المحكمة الإغلاق يفوح عبق الزعفران بالمكان، بعكس الزعفران المستورد الذي يكون قد فقد هذه المزايا مع طول مدة التخزين"، مشيرًا إلى أنه يسوّق منتجه عبر "الفيسبوك".

ويلفت إلى أن نبتة الزعفران تُزهر بعد قرابة شهر من زراعتها، وفي أول ثلاث سنوات تقريبًا يبدأ النبات الأصلي في إنتاج الأبصال من حوله، فيكون الإنتاج الحقيقي بعد مضي السنوات الثلاث الأولى.

ويوضح أنه بدأ مشروعه عام 2017 ولكنه بدأ حصاد ثماره الحقيقية في 2020، "واليوم أنا أزود مزارعين وجمعيات نسائية بالأبصال، فالاستفادة من نبات الزعفران تكون في أربعة أمور هي: بيع الأبصال للآخرين، ثم استعمال "الميسم" في صنع البهارات، أما الزهر نفسه فيُجفف ويضاف للبابونج والشاي الأخضر، وأوراقه تستخدم علاجًا لبعض الأمراض عند الأغنام".

وبدأ بني عودة زراعة الزعفران في ربع دونم، أما اليوم فهو يزرع دونمًا كاملًا، "ينتج الدونم كيلو غرامًا أو أقل من الزعفران، ما يجعله مجديًا ماديًا كمشروع عائلي، إذ لا يحتاج إلى العمل سوى لأسبوعين في العام، أسبوع للتعشيب، وآخر لجني الزهور، فهو مريح أكثر من الزراعات التقليدية".

ويعاون بني عودة في زراعة الزعفران زوجته وأولاده وشقيقاته، وأصبح الحقل مزارًا للجيران الذين يريدون أن يمتعوا أنظارهم بـ"الذهب الأحمر".