فلسطين أون لاين

"ريتا".. منتدى يبثُّ الروح في شرقي البلدة القديمة لنابلس

...
منتدى ريتا
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

في بيت يتخطّى عمره المئة عام شمال شرقي مدينة نابلس، يدير المصوّر الحر عدي يعيش منتدى "ريتا"، وهو ملتقى ثقافي استطاع بث الروح في منطقة مهمشة اقتصاديًّا وحكوميًّا.

استمد يعيش اسم المنتدى من قصيدة "ريتا" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، مبيّنًا أنه بدأ العمل على البيت منذ عام 2019م، بتحويله إلى متحف صغير تضمن زوايا تصوير متنوعة، لتكون جدرانه وأبوابه "فشة خلق" لكل شخص يريد "الفضفضة" عمّا بداخله من مشاعر، إمّا بالرسم أو الكتابة.

يعيش (38 عامًا) كان يبحث في البداية عن بيت قديم في حارة الحبلة ليحوّله إلى مشروع استثماري تديره زوجته، ولكن الفكرة تطوّرت إلى مزار يجذب الناس نحو المنطقة الشرقية المهمشة في البلدة النابلسية القديمة.

يقول لـ"فلسطين": "حينما اخترت البيت وجدته مهجورًا، ويتكون من أربع غرف وصالون، إلا أن كبر مساحته شجعتني لاستغلالها، إذ نقلت المقتنيات التراثية التي أعمل على تجميعها في بيتي منذ عشرين سنة، ومنها أوجدت زاوية تراثية".

من بين المقتنيات التراثية التي يعرضها المنتدى النملية، وماكينة خياطة وجاروشة، عدد من المذاييع والتلفزيونات، وجرامافون (مشغل الأسطوانات)، وغيرها.

وتتوفر في المنتدى مكتبة تضم عشرات الكتب، تتيح للزائرين القراءة والمطالعة، وتبادل الأفكار، واستعارة الكتب أيضًا، ويعدّ المنتدى مساحةً لعقد الندوات والورشات الثقافية، إذ أُشهرت بعض الكتب من داخل المكان.

ويرفض يعيش أن يطلق على المكان اسم مقهى؛ لاختلاف الأجواء التي تسود "المنتدى" من راحة وهدوء للناس، بعيدًا عن ضجيج المقاهي وروادها، ويقول: إنه مساحة حرة للموهوبين والمبدعين.

وجدران الملتقى هي حكايا فلسطين الثورية، التي تجمع بين من جاهد بقلمه، وآخر ببندقيته، فتجد على أحد الجدران صورة الكاتب الراحل غسان الكنفاني رسمها أحدهم، وعلى جدارٍ آخر أنهى أحدهم رسم لوحة للشهيد إبراهيم النابلسي.

عمل يعيش على إعادة تأهيل المكان من الصفر دون مساعدة أحد، عبر طلاء الجدران والأبواب، وتصميم الزوايا التي تعددت بين التصوير، والعسكرية، والموسيقية، وأخرى فنية.

ويشير إلى أنه وبعد أربع سنوات تمكّن من جذب أهل المدينة، وزوارها من أنحاء الضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 1948م، ووجد تفاعلًا منهم لم يتوقعه.

ذكريات تولد

بدورها تقول سهى الخفش مديرة مؤسسة "فن من القلب" عن مشاعرها المختلطة التي انتابتها عند زيارة "منتدى ريتا": "البيت في البداية هو بيت جدي لجهة والدتي والذي يعود لعائلة باكير، قبل أن يحوّله عدي إلى منتدى ثقافي". 

وتضيف: "سعادتي لا تُوصف حين رؤيتي للمكان بأنه لا يزال يعمل ولم يُغلق، وتأثّرت للغاية وخانتني دموعي حينما استدرت بوجهي في كل زاوية فيه، ودارت في رأسي ذكريات طفولتنا في البيت وغرفة "تيتا" وشبّاك انتظارها المُطلِّ على الشارع، و"غرفة القعدة" بالشتاء والمنقل النحاسي "الملوكي" الكبير".

وتتابع: "وغرفة خالي غازي الذي قضى حياته في جمود وسجن داخلي بسبب إعاقته الحركية بعد ما كان تاجرًا قويًّا لفّ البلاد، والشباك الغريب الذي وُضع بالسقف والقعدة عند البركة والنافورة التي هدمت، والصالون وغرفة الضيوف وولائم شهر شعبان التي كانت من اختصاص خالي أبو هيثم". 

وتردف: "ذكريات حلوة ولكن جعلتني أشعر أن الدنيا لحظة وومضة، والكل يتفرق ويغادر، ويبقى المكان لحياة جديدة وذكريات تتشكّل". 

دق الجرس

ومرّ مشروع يعيش بتحديات ومراحل بين صعودٍ ونزول، ويذكر أن التحدي الأول كان جائحة كورونا والحجر المنزلي، الذي دفع الناس إلى العزوف عن زيارة المكان، إضافة إلى الاجتياحات المتواصلة من الاحتلال الإسرائيلي للبلدة، ناهيك بعدم توفر الدعم المادي والمعنوي من المؤسسات الحكومية والأهلية العاملة في المدينة، لتشجيع تلك المشاريع الفردية التي تهدف لإنعاش البلدة القديمة.

واستطاع يعيش دقّ الجرس وتنبيه الناس، وجذبهم نحو شرقي البلدة القديمة، ونفض غبار الإهمال عنها، وبدء افتتاح مشاريع استثمارية، وعدم التركيز على الحارات الغربية فقط، من أجل جذب السياح والزائرين للتعرف على الأماكن الأثرية في حارة الحبلة مثل: قصر النمر، وحمام الخليلي، وبيت الغزاوي، وبستانه، ومسجد الصلاحي الكبير.

ويلفت إلى نجاحه في إعادة الحياة لشرق البلدة القديمة، إذ شجّع وجوده آخرين على افتتاح مشاريع في المنطقة المهمّشة، فبعضهم افتتح محلات لبيع الملابس، وحفزّت الحركة من دفعته الأوضاع الاقتصادية والأمنية إلى إغلاق محلاته التجارية إلى إعادة افتتاحها أمام الزبائن من جديد.

ويختم حديثه: "تعالوا على حارات البلدة الشرقية، أعيدوا لها مجدها وعزها، فهي من أحلى البلدات القديمة في العالم بأسره".