مثَّل الإعلان عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية اختراقًا سياسيًّا على صعيد الدور الصيني في منطقة الخليج العربي، وانعطافًا إيجابيًا في العلاقات الاقليمية ستبرز آثارها على شكل حلول سياسية للملفات الشائكة في المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها الصراعات السياسية في اليمن وسوريا والتي يُتَوقَّع أن تشهد خطوات قريبة في محاولة لإيجاد توافقات سياسية تستفيد منها الأطراف كافة.
الترحيب العربي والدولي الواسع بعودة العلاقات الإيرانية السعودية يشير إلى رغبة جامحة بإنهاء التوترات في المنطقة العربية، خاصة مع مرور سنوات طويلة على الصراعات المشتعلة فيها دون تحقيق أي طرف انتصارات سياسية أو ميدانية، في الوقت الذي تصاعدت فيه الحرب الروسية الأوكرانية مع دخول الصراع عامه الثاني على التوالي دون أفق للوصول إلى اتفاقات سياسية قريبة.
الاختراق السياسي الذي حققته الصين برعايتها عودة العلاقات بعد سنوات من القطيعة مثَّل صفعة سياسية للولايات المتحدة الأمريكية، التي ترى في الصين خصمًا سياسيًّا بات يحقق إنجازات سياسية على حساب التراجع الأمريكي في المنطقة.
القرار السعودي باستئناف العلاقات السياسية مع إيران يأتي بعد سنوات من استمرار الحرب في اليمن دون قدرة سعودية على حسم المعركة، أو تحقيق اختراقات سياسية أو ميدانية، في الوقت الذي باتت فيه صواريخ الحوثيين تهدد استقرار الداخل السعودي، كما أن الفجوة السياسية التي برزت في توجهات الإمارات والسعودية والرؤية الخاصة لكل منها تجاه الصراع دفعت المملكة للعمل على إنهاء الحرب بالطرق السياسية، خاصة مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتخلي الإدارة الأمريكية عن حماية المملكة، وفشل المملكة في تحقيق اختراق ميداني على الأرض، جميعها أسباب دفعت المملكة للقبول باستئناف العلاقات مع إيران، والعمل على إنهاء الصراع في اليمن، والقبول بالحوثيين كطرف فاعل على طاولة المفاوضات، وإتاحة المجال لهم للمشاركة السياسية في المرحلة المقبلة.
مثلت عودة العلاقات بين السعودية وإيران صفعة سياسية كبيرة لحكومة نتنياهو التي كانت وما زالت تروج لضربة عسكرية ضد إيران لكونها المهدد الأكبر لمنطقة الخليج العربي، ما يعني عمليًا فشل المحاولات الإسرائيلية في إحداث شرخ عميق في العلاقات العربية الإيرانية، لمصلحة كيان الاحتلال.
يأتي استئناف العلاقات السعودية الإيرانية في ظل استمرار حالة الاستنزاف السعودي في اليمن، وبحث المملكة السعودية عن تحقيق مصالحها السياسية، ومحاولة تحييد نفسها عن ردود الفعل الإيرانية تجاه أي عدوان إسرائيلي متوقع، كما أنه يعبر عن رغبة الأمير محمد بن سلمان بتهدئة الأوضاع الساخنة، والعمل على تحقيق رؤية 2030م، وهي رؤية تتطلب استقرارًا سياسيًّا واقتصاديًّا، وتعزيز العلاقات مع القوى العالمية الصاعدة مثل الصين وروسيا وغيرها.
كفلسطينيين نسعد باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية، ونرى بأنها ستترك آثارها الإيجابية على القضية الفلسطينية، وقد رحب عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية باستئناف العلاقة بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية إيران لكونها خطوة مهمَّة على طريق توحيد صفوف الأمَّة، وتعزيز الأمن والتفاهم بين الدول العربية والإسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن هذه الخطوة تصبّ في صالح القضية الفلسطينية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، لذا نتوقع أن تواصل قوى المقاومة الفلسطينية بث رسائل الطمأنة لقيادة السعودية في محاولة جادة لتبديد مخاوف المملكة، وإعادة العلاقات السعودية الفلسطينية إلى سابق عهدها كعلاقة أخوية بين الشعبين الفلسطيني والسعودي.
اتّسمت النظرة السعودية للمقاومة الفلسطينية بالريبة والتشكيك طوال السنوات الماضية، إذ دأبت وسائل الإعلام الممولة من المملكة مهاجمة قادة المقاومة الفلسطينية، واعتماد رواية الاحتلال للأحداث، وشيطنة حركة حماس باعتبارها ذراعًا إيرانيًّا تارة، وذراعًا إخوانيًّا تارة أخرى، كما أن المملكة اعتقلت عشرات المناصرين للمقاومة على أرض المملكة، كما منعت أي دعم أو مناصرة للمقاومة الفلسطينية طيلة السنوات الماضية.
واليوم وبعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية تبرز العديد من التساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة، والتداعيات على المقاومة الفلسطينية، وفي هذا الإطار نضع بعض السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول هو استمرار سياسة القطيعة السعودية تجاه المقاومة الفلسطينية، وهو سيناريو له شواهد عديدة، ربما أولاها النظرة السعودية الإيجابية تجاه الاحتلال، التي اتضحت من تصريح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن المملكة تنظر إلى إسرائيل كحليف "محتمل"، ما يعني رغبة سعودية بالتطبيع مع الاحتلال مستقبلًا، لذلك لن تخاطر المملكة بإقامة علاقات مع المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس خاصة في ظل توجهات قيادة الأمير محمد بن سلمان المعادية لحركات الإسلام السياسي بالعموم والإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حماس فكريًّا على وجه الخصوص، كما أن إصرار المقاومة على محاربة الاحتلال هو عامل معيق لإقامة العلاقة بين المملكة وحماس، حيث تسعى المملكة في عهد بن سلمان للنأي عن نفسها بدفع أي أثمان سياسية لصالح القضية الفلسطينية، وهنا قد يستمر الخطاب الإعلامي لوسائل الإعلام الممولة من المملكة بشيطنة حماس ومهاجمتها بسبب إرثها التاريخي وانتمائها لمدرسة الإخوان، وهي سياسة باتت مؤخرًا رائجة ومعتمدة لدى الصحف السعودية والكتّاب المقربين من النظام السعودي.
السيناريو الثاني: هو نجاح التدخلات الإيرانية بتغيير السياسة السعودية تجاه المقاومة الفلسطينية، باعتبارها حليفًا استراتيجيًّا لإيران، وهذا تعززه التغيرات السياسية في المنطقة العربية، وعودة العلاقات مع النظام السوري، بمعنى أن تشمل عملية ترميم العلاقات حركات المقاومة الفلسطينية أيضًا، وهو سيناريو ضعيف على الأقل في المدى المنظور.
السيناريو الثالث: هو سيناريو الحياد، بمعنى اتخاذ المملكة قرارًا بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين المناصرين للمقاومة الفلسطينية، وطي صفحة الخلافات السابقة، والتعامل ببرود سياسي مع القضية الفلسطينية، في ظل استمرار منع وملاحقة أي دعم للمقاومة الفلسطينية وهي سياسة دأب عليها النظامين الأردني والمصري طوال السنوات الماضية، وهو سيناريو له وجاهته وقد يتحقق في الأشهر المقبلة، مع تعزيز العلاقات الإيرانية السعودية، ووضع حلول سياسية للصراعات في اليمن وسوريا.