لقاءٌ خفيف على النفس، تملؤه أجواء الألفة، بسيط ببساطة اسمه "لمّة شاي"، لكن موضوعاته مهمة وتمس ضرورات حياة الإنسان، وفيه فرصة للتعرف عن قرب على بعض معالم "زهرة المدائن".. بهذا الشكل، أرادت الشابة المقدسية "نور نجيب" أن تقدم التوعية الصحية لسكان مدينتها، لتخرج عن الجمود المُعتاد في مناقشة مثل هذه الموضوعات..
قبل أربع سنوات
وتقول نور (25 عاما) عن "لمة شاي"، إنها مبادرة أخذت اسمها من كونها لقاءات شهرية في مجال التوعية الصحية والاجتماعية يتخللها شرب الشاي، وتحاول ألا تأخذ شكل محاضرة أو ورشة لتكون مختلفة عن الشكل المعتاد للتوعية الصحية.
وتضيف لـ"فلسطين": "لذلك حاولت من خلال (لمة شاي) أن أزيل الجمود عن مواضيع الصحة، وأن يجمع الحضور لقاء فيه ألفة يفتح المجال أمام الكثير من النقاش والمداخلات الناجعة، فالشاي، في ثقافتنا، عادة ما نتناوله بينما نحن نتناول أطراف الحديث، ومن هنا جاءت التسمية".
لمعت الفكرة في ذهن صاحبتها، لأول مرة، قبل أربع سنوات، عندما كانت تدرس علاج سمع ونطق، تتولى أمور اللجنة الثقافية في نادي دائرة السمع والنطق في جامعة بيرزيت، لكن بقيت الفكرة دون تنفيذ.
توضح نور، وهي ما تزال طالبة في "بير زيت" ولكن في تخصص علم النفس: "حينها، صممت شعار المبادرة، لكن لم أعقد أي لقاء، وبعد أربع سنوات أحييت الفكرة مجددا، وذلك بعد أن كنت في مساق (مشاهدة عيادات) في مراكز السمع والنطق، وأحببت أن أبدأ (اللمة)، وأعيد الفكرة بنشر توعية عن موضوع لفت انتباهي أثناء مشاهدتي في العيادات، وهو (تأثير التلفزيون والوسائل الحديثة على تطور لغة الأطفال والتواصل الفعال عندهم)".
وتبين: "رغبتي في التطرق لتأثير الوسائل الحديثة على الأطفال نتجت عن حال الأطفال الذين رأيتهم حيث كنت أتدرب، إذ 25% ممن خضعوا للعلاج في المركز يعانون من تأخر اللغة بسبب قضائهم لساعات طويلة أمام التلفاز، وقلة تواصل الأهل معهم".
وتلفت إلى أن أول "لمّة" كانت في أكتوبر من العام الماضي، بحضور ١٢ شخصًا من تخصصات وخلفيات مختلفة.
تطوعية بحتة
وعن المجال الذي اختارته نور لمبادرتها، تقول: "اخترت التوعية الصحية نظرا لشُحّ اللقاءات الثقافية من هذا النوع، عادة ما نجد لقاءات أدبية وفلسفية ونقاشات في مضامين بعض الكتب، ولكن قلّما يكون النقاش في المجال الصحي، وخاصة أن التطرق لهذه المواضيع غالبا ما يكون على شكل محاضرات وورشات عمل".
وتضيف: "ما يميز لمة شاي هو أنها مبادرة تطوعية قائمة على جهود شبابية تطوعية بحتة، سواء تحضيري للمبادرة، أو المكان الذي نجتمع فيه، أو حتى تقديم الشاي والأخصائيين الذين يشاركون في اللمة، كل هذا يكون بشكل تطوعي غير مدعوم أو ممول، وهذا ما يجعل الأخصائي والحضور يشاركون بهدف واحد هو الوعي والاستفادة، بعيدا عن أي مصلحة مادية".
وتتابع: "كذلك تتميز اللمّة بطرح مواضيع صحية استثنائية قليلا ما يتم طرحها، وموضوعات اللمات القادمة ستحمل معها كل ما هو جديد، من الحديث عن حقوق المواطن المقدسي الصحية، وعالم الفلك والإنسان والصحة النفسية والمثلية الجنسية والهرمونات وتأثيرها في حياتنا".
ومن أمثلة ما تم التطرق له، موضوع "لمة شاي ٢"، وهو دور الحيوانات في حياتنا وكيف يمكن أن تساعد تربية حيوان على تعليم سلوكيات معينة، خاصة بوجود أطفال في البيت، وعن العلاج بالحيوان، والذي أخذ ينتشر أكثر في الآونة الأخيرة، وكانت بوجود الدكتور البيطري وسيم طهبوب.
ومن مميزات "اللمة" أيضا، بحسب نور، أنها تتصف بـ"الترحال"، فهي لا تُعقد في مكان واحد، وإنما تتنقل، فاللمتان الأولى والثانية تم عقدهما في أحد مقاهي القدس، وقد استقبل المقهى ضيوف اللمة وقدموا لهم الشاي دون مقابل، أما اللمة الثالثة فكانت في مقر جمعية "برج اللقلق".
وتوضح نور: "بذلك تحقق اللمة هدفين، وهي أنها تنشر الوعي الصحي، بالإضافة إلى تعريف الناس بهذه الأماكن، فالكثير من الأشخاص تعرفوا على المقهى من خلال المشاركة في اللمة، وأيضا عندما شاركوا في لمة برج اللقلق تعرفوا على البرج الذي يعد من أهم الأماكن في القدس المحتلة، خاصة أنه يخضع لتهديد دائم من قبل سلطات الاحتلال، وذلك لوجود مستوطنة بالقرب منه".