يعيش كيان الاحتلال "ظروفًا استثنائية خطيرة" وغير مسبوقة، فمن جانب تتفاقم الخلافات الداخلية وتزداد رقعة المظاهرات والاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو وحلفائه، والتي من المرجح أن تقود الحكومة إلى الانهيار، وتدفع الكيان باتجاه الحرب الأهلية، ومن جانب آخر فإن (التهديدات الأمنية) التي يتعرض لها الكيان نتيجة اشتعال الضفة الغربية، والقدس، لا تقل خطورة عن الوضع الداخلي؛ خصوصًا بعد تنفيذ عدد من العمليات الفدائية التي أوقعت خسائر مباشرة في صفوف الجنود والمستوطنين، وجعلت مدن الكيان في حالة رعب دائم، وهزت أركان المستوى الأمني والسياسي، بل جعلتهم في وضع صعب نتيجة الفشل الذريع في مواجهة العمليات.
ليس هذا فحسب، فالتهديدات في محيط الكيان تزداد مع استعداد حزب الله اللبناني ورفع كفاءته، وجهوزيته، وتسليحه لمستويات متقدمة، أضف إلى ذلك فإن (التهديد الإيراني) يتفاقم، والكيان يشعر بحالة ذعر من المشروع النووي الإيراني، ويسابق الزمن لتقويض أي تموضع لهم في المنطقة، وذلك عبر مسارين،
المسار الأول_ عبر مسار سياسي يتمثل في الضغط على الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لفرض مزيد من العقوبات على طهران، ومحاولة استصدار قرارات تحظى بإجماع دولي للحد من المشروع النووي.
المسار الثاني_ عبر الهجمات المستمرة في محاولة لقضم جزء من القدرات الإيرانية في المنطقة، عبر الهجمات المركزة على الأراضي السورية، وقد تعدى ذلك إلى هجمات سيبرانية، وهجمات بطائرات مسيرة على أهداف داخل طهران، ومؤخرًا التلويح بتوجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية.
هذه التهديدات المركبة تجعل الكيان في وضع حرج للغاية فهو الآن بين فكي كماشة، (مخاطر داخلية، وخارجية) وغارق في أزماته لأبعد مستوى، لذلك فإن العدو المجرم ووسط زحام التهديدات ربما يصاب بالجنون ويحاول الإفلات من هذه القبضة التي تُحكم الإغلاق مع الوقت حول عنقه باتجاه "عدوان دموي ومدمر" في أي ساحة من الساحات، لمحاولة التخلص من الأعباء الداخلية، وإنقاذ الحكومة التي وصلت إلى حافة الهاوية، وخلق معادلة ردع جديدة، لكن قرار الهجوم على أي ساحة من هذه الساحات له تقدير وحسابات خاصة لدى الكيان على الرغم من حاجة الكيان لمهاجمة كل هذه الساحات، والقضاء على مختلف التهديدات التي تحيط به، ويمكن استعراض ظروف كل ساحة وفق ما يلي:
أولًا_ الساحة الإيرانية: مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية يتطلب ضوءًا أخضرًا أمريكيًّا ومساندة وغطاء مباشرًا للهجوم، لأن ردود الفعل الإيرانية لن تكون عادية تجاه أي هجوم من هذا النوع، وربما يؤدي هذه الهجوم إلى إشعال المنطقة برمتها والهجوم الإسرائيلي وإن نجح في الضربة الأولى، لن يكون قادرًا بعد ذلك على حسم المعركة ووقف النيران في المنطقة، وستكون الأهداف في الخليج وداخل الكيان تحت مرمى الصواريخ، خصوصًا إذا ما استخدمت أي من القواعد في الخليج، كما أن القوات الأمريكية لن تكون بعيدة عن هذه المعركة مع هذا التطور الخطير، وهناك كوابح متعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، لأن العالم لا يؤيد اندلاع صراع جديد في الشرق الأوسط، لذلك فإن الإدارة الأمريكية حذرت الكيان من تداعيات هذه الخطوة.
ثانيًا_ الساحة اللبنانية: يدرك الاحتلال الإسرائيلي مدى خطورة جبهة الشمال، ويعلم جيدًا أن حزب الله امتلك مؤخرًا قدرات صاروخية ودفاعية متقدمة، لذلك يحاول عدم تسخين هذه الجبهة واحتواء أي حدث فيها، ومعالجة الأمر بطرق مختلفة عبر:
1_ ممارسة الضغط على الحكومة اللبنانية وإرسال رسائل تهديد مباشرة لها بأن أي تحرك من جبهة الشمال سيقابل برد صاعق ومزلزل على الأراضي اللبنانية.
2_ دفع الأطراف الدولية للتضييق على الدولة اللبنانية، وفرض عقوبات مختلفة، وتشديد الحصار عليها، لإشغال لبنان في ظروفها الداخلية، حتى وصلت الأوضاع اللبنانية إلى وضع كارثي على جميع الأصعدة.
3_ مواصلة الهجمات على خطوط الإمداد، ومخازن الأسلحة، والقواعد العسكرية التي لها ارتباط بالحزب، وبالحرس الثوري (في سوريا)، لذلك من المستبعد أن يبادر العدو إلى فتح جبهة الشمال في المدة القريبة.
ثالثًا_ الساحة الفلسطينية: التهديدات الإسرائيلية لم تتوقف باتجاه قطاع غزة، سواء ما يصدر عبر ( قيادات سياسية وأمنية وعسكرية)، كما أن النشاط الاستخباري للعدو في أعلى مستوياته باتجاه غزة، ففي سماء القطاع تنتشر عشرات طائرات الاستطلاع ذات المهام "الاستخبارية والهجومية" المختلفة، والتي لا تكاد تغيب من الأجواء لحظة واحدة، فضلًا عن أن الاحتلال يحمل المسؤولية المباشرة لفصائل المقاومة في غزة عما يجري في الضفة الغربية، ويتهمها بالوقوف خلف العمليات سواء من ناحية "التحريض أو التوجيه أو التمويل"، ويشعر العدو بقلق شديد إزاء المعادلة التي فرضتها المقاومة في غزة، حينما فرضت (ربط أتوماتيكي) بين غزة والضفة والقدس وال48.
لذلك حاول العدو ممارسة الضغط على فصائل المقاومة بشتى الطرق بما فيها: الضغط عبر الوسطاء الإقليميين والدوليين لضمان عدم تدخل المقاومة فيما يحدث في الضفة والقدس، لكن الجهود فشلت تمامًا، لذلك فإنه من الوارد أن يكون قطاع غزة مرشح لهجوم إسرائيلي في محاولة لتحقيق جملة من الأهداف التي تم استعراضها، لكن من الواضح أن العدو لن يكون قادرًا على تحقيق أي من أهدافه في أي معركة محتملة مع قطاع غزة، وسيدفع ثمنًا مضاعفًا لما دفعه في معركة (سيف القدس)، ولن يكون قادرًا على كسر المعادلة التي فرضتها المقاومة، ليس هذا فحسب، فإن الهجوم على قطاع غزة سيؤدي إلى إشعال جميع الأراضي الفلسطينية، وربما تمتد النيران لمناطق خارج فلسطين، وسيجد العدو نفسه غارقًا في "دائرة من النيران" التي ستدفعه لاستجداء الهدوء والرضوخ لشروط المقاومة.