لم تمضِ ساعات على طرح الولايات المتحدة خطة سمَّتها خطة فنزل، حتى داستها الدبابات الإسرائيلية في جنين، وأطلقت بعدها بقليل يد المستوطنين لحرق بلدة حوارة جنوب نابلس، التي دعا بعدها الوزير اليميني المتطرف سموريتش، وزير المالية، والوزير الثاني في الجيش، لمحوها.
يعيد التاريخ نفسه مجددًا عندما أطلقت الولايات المتحدة خطة مشابهة هي خطة الجنرال الأمريكي الغابر كيث دايتون، لكن هذه الخطة محسنة وواضحة أكثر، وكشف اتفاق العقبة عن جزء مهم منها، قبل تنفيذها، وهي امتداد لخطة الجنرال الأمريكي السابق جورج تينيث، مدير المخابرات الأمريكية، التي طرحت في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى، وداستها دبابات أرئيل شارون في مدن الضفة الغربية، خاصة في جنين، ومقر المقاطعة في رام الله، في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات.
نحن أمام مشهد متكرر، وموقف منسق أمريكيًا، يقوم على فكرة دعم الرؤية الإسرائيلية، وتوفير الحماية للاحتلال، وحشد الأطراف الإقليمية لذلك، في حين قيادة السلطة تنفذ ما يُطلب منها، وتوقع على ورقة بيضاء، ومع ذلك تجدها تتصدر المشهد دون أي حياء، بل مهاجمة من يعارضون سياستها، ولو بالكلمة، كما فعل ذلك أعضاء من اللجنة المركزية في المنظمة وفي حركة فتح، ضد الفصائل التي نظمت فعاليات احتجاجية على مشاركة السلطة في لقاء العقبة الذي يساعد الاحتلال، حتى لو كانت مشاركةً للسلطة في الكثير من المواقف، كما الحال مع الجبهة الديمقراطية وحزب فدا وحزب الشعب، لكنهم لم يعودوا يحتملون أي صوت معارض لهم.
الجنرال القادم الجديد يعرف بأنه جنرال الحروب، وشارك في تدمير أفغانستان منذ عام 2001، ثم العراق لاحقًا، ويعرف بمواقفه المؤيدة والداعمة للاحتلال، وما سيقوم به هو إعادة بناء العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية في الضفة، وإعادة تدريب وتأهيل ما يزيد على 5000 عنصر أمن جديد، وتطهير الأجهزة الأمنية ممن يعارضون سياسة التنسيق الأمني، وتعزيز انتشار الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وفرض السيطرة الكاملة على مناطق جنين ونابلس وشمال الضفة، وتنفيذ اعتقالات واسعة للمعارضين، وملاحقة المقاومين، ونزع سلاحهم.
يتم كل ذلك وفق خطة فنزل بالتعاون المباشر بين الاحتلال والسلطة وبإشراف الجنرال الأمريكي، وإقامة غرفة عمليات مشتركة، تمنع تفجر الأوضاع في شهر رمضان، وفي نفس الإطار تسعى لتحييد غزة عن أي مواجهة مقبلة، ومواجهة أي جهد تقوم به الفصائل في غزة لتثوير الأوضاع في الضفة الغربية.
يبدو أن السلطة قد سلمت كل أوراقها للجنرال الأمريكي، في سبيل الحصول على الدعم الأمريكي وعودة الامتيازات التي تريدها، وخاصة المالية، التي تنعكس على قيادتها، متجاهلين تماما الجرائم التي ينفذها الاحتلال، واستمراره في اقتحام المدن الفلسطينية، وتنفيذ عملية الإعدام الميدانية، واستمرار جرائم المستوطنين وحرقهم القرى الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية تبيع الوهم ولا تكتفي بحالة الوهن التي تعيشها، والعزلة الوطنية التي أصابت كل المنظومة الفلسطينية، وفشلها في إدارة القضية الفلسطينية على الصعيد الدبلوماسي وتحولت لتبع للاحتلال الذي لم يقدم لها شيئًا، فهو لم يقدم سابقًا عندما كانت الظروف مواتية بشكل أفضل، وفشلت خطة تينيث في وقف انتفاضة الأقصى، وفشلت خطة دايتون، وما نشاهده في نابلس يؤكد أن الشعب الفلسطيني متمسك بالمقاومة، وبمشاركة كل الفصائل، بما فيها عناصر من شهداء الأقصى، وعناصر من الأجهزة الأمنية، وفي جميع المناطق.
الفشل سبيل فنزل، ورهان السلطة الخاسر على الخطة سيكون سبيلها في البقاء محاصرة في مقر المقاطعة في رام الله، وكما قال المثل: "اللي بيجرب المجرب عقله مخرب"، وهكذا السلطة ورهاناتها الخسارة، ومسيرة الفشل على مدار ثلاثين عامًا.