ترجمت الفنانة نادية عواد من رام الله، ذكريات طبعت في وجدانها بلوحة لسيدة فلسطينية ترتدي شالًا أزرق بألوان زاهية مبهجة، لتكون فيما بعد شرارة الإبداع لديها بالمزج بين التراث والفن المعاصر.
تعمل نادية مصممة أزياء وأدخلت الأشكال الهندسية لوحدات التطريز التجريدي التي تصل إلى (17) قطبة، في العمل الفني لتصميم الشالات والإكسسوارات والحُلي، لتختزل بها أحلام وذكريات الفلسطينيين الذين هجروا من بلادهم قسرًا وتركوا كل شيء وراءهم.
ولع والدتها وجدتها بالتطريز الفلسطيني أدركته نادية منذ طفولتها، الأمر الذي جعلها شغوفة به وبكل أمر يتعلق بالتراث، ففي كل لوحاتها يظهر هذا الأمر جليًا، فانتقل الشغف نحو أزيائها التي طبعت عليها هويتها الفلسطينية.
فهذا الشال الأزرق رسمته بريشتها، والذي لطالما روت لها والدتها قصته عشرات المرات، وهي تتغنى بجمال ألوانه، وحلمها بارتدائه بعد زواجها، وكيف أن جدتها لم يسعفها الوقت لأخذه حينما خرجت من بيتها مرغمة هربًا من نيران العصابات اليهودية إبان الهجرة عام 1948م، من قريتها أبو شوشة قضاء الرملة.
الفن يختزل الحكايا
نادية "47 عامًا" حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال، وعملت في وظائف بمؤسسات أهلية وحكومية عدة، أما الفن فهو هواية صقلتها بالمتابعة والتعلم عبر الإنترنت فأتقنت أصوله، وهي توقن بأن الفن مساحة حرة لا تحده ظروف.
تقول لـ"فلسطين": "أحببت أن أصيغ موهبتي لإنتاج يعبر عن ذاتي، حلمت بمشروع يعكس كثير من الأمور العالقة في وجداني منذ الصغر الذي يخزن الكثير من القصص وحكايا البلاد القديمة، فأنا أنتمي لعائلة فلاحة تعمل نسائها بالزراعة والحصاد وهن يرتدين الأثواب المطرزة".
وتضيف: "لطالما انبهرت من إبداع المرأة الفلسطينية على ابتكار واستيحاء قطب من بيئتها، وليس كما هو شائع القطبة المُصلبة فقط، فكل قرية، ومدينة لديها ثوبها الذي يميزها ويعكس هويتها، فثوب قرية أبو شوشة يتميز بألوانه الزاهية والمُفرحة".
وتردف نادية: "الثوب شهد على كل المراحل التي مرت بها البلاد من النكبة حتى يومنا هذا، وهو العمود الأساسي الذي يمثلنا في كل مكان، ويدعم استمراريتنا ووجودنا".
وتبين أن لوحة الشال المطرز لم تقصد بها الشال بحد ذاته الذي تلبسه المرأة، بل هو اختزال لأحلام الفلسطينيين وذكرياتهم التي تركوها في أرضهم تحت تهديد الأسلحة، والذين نقلوها لأولادهم وأحفادهم فيما بعد.
مساحة حرة
تركت نادية الوظيفة بمحض إرادتها للتفرغ لتربية أطفالها، وحينما كبروا، أرادت أن تبدأ مشروع تترجم كل ما تشعر به دون تقييد فكان مشروع تصميم الأزياء والإكسسوارات الذي افتتحه منذ مدة بسيطة، والذي لاقى رواجًا من المجتمع المحلي، والسياح، وحتى المغتربين، وفق قولها.
وتوضح أنها تجد بالفن مساحة حرة للتعبير عن أفكارها، كما يمنحها شعورًا بالرضى الداخلي بأنها تصنع شيئًا عميقًا.
وتشير نادية إلى أنها في ظل الظروف والقيود الكبيرة التي يعيشها الفلسطينيون السياسية والاجتماعية، والاقتصادية، والجغرافية، تحاول تخطي كل ذلك من خلال أعمالها لكي تشعر بالفرح والسعادة.
وتؤكد أنها بلوحاتها وتصاميمها تبتعد عن النمط الكلاسيكي التقليدي لتطريز، بل تضفي عليه لمسة عصرية لتجذب الجيل الحالي، وتواكب العصر.
وتثني نادية على الدعم الذي لاقته من المجتمع المحلي على اختلاف مستوياته واهتمامه بالفنون، وتشجيعه لها على الاستمرار في تقديم أعمالها الفنية التي تعكس الهوية الفلسطينية في كل مكان.
وتطمح الفنانة ومصممة الأزياء أن يتوسع مشروعها محليًا في مناطق عديدة من فلسطين، وتشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة وتوفير دخل للأسر المحتاجة وتمكينهم اقتصاديًا، ليكون قادرًا على التوسع إقليمًا، وعالميًا أيضًا، للتعبير عن الهوية، والجذور الفلسطينية على نطاق واسع.