تنشغل شذا عبد الرحمن في مراقبة أبنائها وهو يلعبون على المراجيح داخل إحدى صالات الألعاب في مدينة غزة، خشية أن يصابوا بمكروه.
وتقول شذا وهي أم لأربعة أطفال أكبرهم في العاشرة: إن أبناءها يتنقلون بين الألعاب غير آبهين بخطورة التحرك غير المحسوب بينها، فجلها ألعاب حديدية ولكنهم في كثير من الأحيان لا يستجيبون للتنبيهات بضرورة اللعب بهدوء.
ومن واقع تجربتها وجدت شذا في التجربة خير برهان لاقتناع أبنائها بمخاطر بعض الأمور والتصرفات سواء في صالات اللعب أو داخل المنزل أو علاقاتهم الاجتماعية الخارجية، "فبت أتركهم تحت المراقبة حتى يقتنعوا بما أحذر منه مرارًا وتكرارًا عن خطر بعض الرفاق عليه وعلى مستواه الدراسي وشخصيته أيضًا".
معرفة فطرية
وفي مقال للكاتب العلمي ديفيد روبسون نشره في "بي بي سي فيوتشر، يذكر أن الأطفال يولدوا بمعرفة فطرية بسيطة لبعض المخاطر، فالطفل الذي يتعلم الحبو (الزحف) يحاول دفع نفسه بعيدًا عن حافة السرير دون تردد للحظة، لتظهر بعض الأبحاث أن الخوف من المرتفعات هو مجرد تجربة؛ حيث يتعلم الأطفال إيلاء المزيد من الاهتمام لما يحيط بهم بمرور الوقت.
ويوضح الكاتب أن غالبية الأطفال يتعرفون على الخطر بشكل غير مباشر من خلال ملاحظة تعابير الوجه ولغة الجسد للآخرين. ومع ذلك، فإن التعرف على الخطر بسهولة لا يكفي في كثير من الأحيان للحفاظ على سلامة الطفل. لأن عقولهم النامية قد لا تكون سريعة بما يكفي لاتخاذ رد الفعل المناسب للمشكلة التي يواجهونها.
ووفق الكاتب فإن الأبناء خلال مرحلة المراهقة يصبح توجيههم معقد إلى حد كبير، وذلك لأن دماغ المراهق يزيد من الحساسية للدوبامين وهو ناقل عصبي متعلق بالمتعة والإثارة، مما يجعل المراهقين أكثر اندفاعًا من الأطفال الأصغر سنًّا؛ حيث يبحثون بنشاط عن المواقف الخطرة التي من شأنها أن تحقنهم بمزيد من الدوبامين، لكن التجارب المخبرية التي حاولت فحص العمليات الإدراكية المتضمنة في تقييم المخاطر كشفت أن هذا كان ظلمًا فادحًا للمراهقين.
التعلم بالتجربة
ومن جهته، يتحدث الاختصاصي النفسي إياد الشوربجي بأن من المعروف أن الأطفال لديهم طاقة ورغبة هائلة لاستكشاف محيطهم، وتزيد هذه القدرة خاصة في السنوات الأولى من قابلية الطفل للتعلم عندما نمنحه فرصة للتعرف على الأشياء بنفسه، واستكشاف البيئة المحيطة تحت مراقبة تضمن سلامته.
ويبين أن الأطفال لا يدركون المخاطر التي تحيط بهم وهذا يرتبط بمقدار خبرات الطفل الحياتية وضعف الإدراك لهذه المخاطر وعدم نضجه الكافي، وبالتالي نجد حرص الوالدين على حماية الطفل بأشكال مختلفة خوفًا من تعرضه للأذى.
ويسرد الشوربجي مثالًا على ذلك عندما يبدأ الطفل بالزحف يكون الخطر أكبر حيث العبث بالأدوات الكهربائية وتناول المواد الكيماوية أو أدوات الخياطة والسوائل الساخنة، وعندما يبدأ بالمشي يزداد ذكاؤه وفضوله كما يزداد لديه حب المعرفة واكتشاف الأشياء المحيطة به.
ويشير إلى أن الطفل يدرك تدريجيًّا حدود قدراته ولعبه ونشاطاته فيصبح بإمكانه معرفة وتقييم الخطر، وبالتالي يستطيع تجنبه ويكون هذا التعليم والتوجيه من الأهل ومشاركة جميع أفراد العائلة به فينضج الطفل بمساعدة أبويه وذويه وأشقائه الأكبر منه.
دور الأهل
وعن دور الأهل، يوضح الشوربجي أن الأصل ابتعاد الأهل عن إعطاء الطفل المزيد من التعليمات والتعليقات المصححة لما يفعله، وأن عليهم استبدال ذلك بالتشجيع على استكشاف الأشياء مع تحذيرهم من خطورتها من خلال الأمثلة الواقعية والاستعانة بالصور من الإنترنت لحوادث الأطفال والإصابات بحيث يشاهد الطفل عمليًا نتائج الأخطاء مع إعطائه فرصة لخوض التجربة بمراقبة الأهل.
ولا تقتصر تلك المخاطر والمتاعب على الأطفال بل عندما يصبحوا أيضًا في مرحلة المراهقة، ولذلك نجد التجربة تحت أعين الوالدين أنجع طريقة لمواجهتها والابتعاد عنها، وإدراك محاذير الأهل الذي يقع عليهم أن يظهروا حرصهم الدائم على الأبناء من خلال التوضيح وعدم استخدام التوجيهات والتعليمات الجافة، وفق الشوربجي.
وفي تقرير نشره موقع "فكرتورو" التركي، حدد علماء النفس سبب فشل الأطفال في التعرف على المخاطر الأساسية، إذ يبحث المراهقون عن الإثارة للمقامرة بمستقبلهم، وذلك لعدم قدرتهم على تقييم المخاطر بشكل عقلاني، فكل مرحلة لها نهج مختلف، وتوجيه صحيح ليتمكن من اتخاذ القرار الصحيح.
وتظهر الأبحاث أن الآباء والمعلمين قد يحتاجون إلى نهج حكيم لتوجيه الأطفال والمراهقين حول مخاطر الحياة، وعليهم بدلًا من وضع قرارات صارمة تمنع الطفل من تعرضه للخطر، يجب عليهم العمل على تطوير مداركهم وقدراتهم في التفكير واتخاذ القرار، وضبط النفس والتنظيم العاطفي كون غالبية المخاطر التي يقعون بها سببها الاندفاع.