أعربت الفصائل الفلسطينية السبت الماضي عن رفضها مشاركة السلطة في اجتماع أمس الأحد بمدينة العقبة الأردنية بمشاركة الولايات المتحدة، و(إسرائيل)، ومصر، والأردن، في حين قالت وسائل إعلام العدو صراحة إن القمة ستناقش الخطة الأميركية للقضاء على المقاومة بالضفة الفلسطينية.
ونقلت مروحية عسكرية أردنية وفد السلطة من رام الله الذي يضم حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وماجد فرج مدير مخابرات السلطة، ونبيل أبو ردينة الناطق باسم رئاسة السلطة، ومجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي لرئيس السلطة.
وقد استنكرت فصائل المقاومة الفلسطينية مشاركة السلطة في الاجتماع الأمني أمس في مدينة العقبة الأردنية، وعدَّت في بيان لها أن مشاركة السلطة طعنة جديدة لتضحيات الشعب الفلسطيني، وخيانة لتضحيات الشهداء.
وحذر بيان فصائل المقاومة من خطورة اجتماع العقبة، وقالت إنه استكمال لمخططات التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومحاولة جديدة لاستئصال مشروع المقاومة.
وأضاف البيان أن المشاركين في هذا الاجتماع خارجون عن الإجماع الوطني ولا يمثلون إلا أنفسهم.
إن لُهاث سلطة عباس نحو اجتماعات العقبة، إنما هي محاولة لإحياء مشروعها التآمري تحت مسميات "مسيرة التسوية"، الذي جَنت منه الثمار المُرّة، لن يلغي حقيقة أن هذا المخطط قد وُلدَ ميتًا، ومع تبدد أوهام ما يُسمى بـــ" إتفاق أوسلو"، بأن هناك دولة فلسطينية قادمة ستُبنى إلى جانب الكيان الاستيطاني على الأرض الوطنية الفلسطينية المحتلة، ومع فشل تطبيق الطروحات السياسية اللاحقة منها رؤية ما يسمى "حل الدولتين" تعززت التقديرات لدى (تل أبيب) بأن سيناريو انهيار السلطة بات وشيكًا، وهو ما ينذر بعودة الصراع إلى المربع الأول.
ومع تصاعد وتيرة المقاومة المسلحة في الضفة الفلسطينية المحتلة والتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها السلطة فإن الحلول التي يقدمها العدو للأزمة الوجودية التي تعانيها السلطة تقتصر على ما تسمى "تسهيلات اقتصادية" وتصاريح للعمال الفلسطينيين.
وتسعى (تل أبيب) من هذه "التسهيلات" المزعومة إلى منع انهيار السلطة، وخفض التوتر، واحتواء التصعيد المسلح بالضفة، مع غياب أي أفق سياسي لإمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات التي يعلم عباس أنه أضحى عاجزًا عن استخدامها للترويج لمشروعه الخائب، وفقًا لمحللين وتقديرات مراكز أبحاث "الأمن القومي الصهيوني".
ويضع السجال الخفي بين المؤسستين الأمنية والسياسية في (تل أبيب)، حيال كيفية احتواء التصعيد الذي ينذر باندلاع انتفاضة ثالثة، وإمكانية انهيار السلطة، حكومة بنيامين نتنياهو تحت وطأة ضغط سياسي أميركي وأوروبي تضاعفه أزمة الحكم، والأزمة التي قد يخلقها انهيار السلطة وفقدان السيطرة في الضفة، واتساع دائرة المواجهة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتلك المتصاعدة في فلسطين المحتلة عام 1948.
ويواجه الكيان معضلة إستراتيجية في كل ما يتعلق بالتعامل مع القضية الفلسطينية، إذ يرجح تقدير موقف صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة (تل أبيب) أن النهج والسياسات تجاه السلطة الفلسطينية، وضد العمليات المسلحة في الضفة الفلسطينية "تمثل بيئة خصبة لتعاظم المقاومة الفلسطينية".
وخلافًا لتبريرات المستوى السياسي لحكومة العدو، بأن الأوضاع الاقتصادية المتأزمة وراء التصعيد، يرجّح مركز أبحاث الأمن القومي أن أسلوب إدارة الصراع يوشك على استنفاد ذاته، وهو ما يعد التحدي الإستراتيجي الحقيقي، خصوصًا في ظل تنامي الوعي النضالي عند الشعب الفلسطيني، واتساع المواجهة، والاحتكاك بين المدنيين وقوات جيش الاحتلال، وغياب الأفق السياسي وتراجع نفوذ السلطة الفلسطينية.
بدوره، يقول الصحفي الصهيوني المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية يواف شتيرن إن انهيار السلطة يمثل هاجسًا للمؤسسة الأمنية للكيان التي تدفع نحو تبديده بتوفير الظروف لبقاء السلطة وحكمها، وذلك لضمان استقرار الأمن القومي للكيان.
ولا تقتصر الهواجس على (تل أبيب)، حيث رجح الصحفي في حديثه، وجود مخاوف حقيقية أيضًا في الجانب الفلسطيني، وحتى لدى دول الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية من مغبة انهيار السلطة ووأد اتفاقية أوسلو وتداعيات ذلك السياسية والإقليمية "وهو ما سيعيد الصراع الصهيوني الفلسطيني إلى حقبة النكبة، في ظل غياب دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة".
ويقول شتيرن "إن الحكومات المتعاقبة دفعت لتثبيت الحل المرحلي والمؤقت، الذي نصت عليه اتفاقية أوسلو ليصبح وضعًا قائمًا مستمرًا، وهو الوضع الذي بات يهدد بانهيار السلطة الفلسطينية إذا لم يكن هناك تغيير جوهري في السياسات الحكومية التي تعرقل إقامة دولة للشعب الفلسطيني".
ويعد شتيرن التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة واتساع ظاهرة المقاومة المسلحة "تحولًا في الصراع مع الشعب الفلسطيني ومؤشرًا على اندلاع انتفاضة ثالثة".
كما يعتقد أن السلطة التي تواجه تحديات داخلية سياسيًا واقتصاديًا، لا قدرة لها على المواجهة مع الفصائل لتجنب أي اقتتال داخلي، وتكتفي بالتنسيق الأمني في محاولة لإنهاء المقاومة.
هذا الواقع -كما يضيف شتيرن- دفع الجيش لإطلاق حملة عسكرية متواصلة منذ أشهر سمّاها "كاسر الأمواج"، التي تستهدف يوميًا فصائل المقاومة في المناطق التابعة للسلطة-خاصة في محافظتي نابلس وجنين- استباقًا لسيناريو تقويض السلطة في ظل تصاعد المقاومة المسلحة.
ويرى شتيرن أن ما تسمى "التسهيلات والمساعدات" التي يُقدمها الكيان للسلطة تمثل إبرًا للتخدير لترحيل سيناريو انهيارها، مشيرًا إلى أن أزمة الحكم التي تعصف منذ نحو 4 سنوات تلقي بظلالها على الملف الفلسطيني وتزيد الصراع تعقيدًا، وهو ما ستكون له تداعيات على الأمن القومي الصهيوني، الأمر الذي تحذر منه المستويات الأمنية في دولة الاحتلال.
ويرى عديد المحللين الصهاينة بأنه بات واضحًا أنه دون حل للقضية الفلسطينية ستكون إنجازات التطبيع محصورة، ولا يمكن للاحتلال مواصلة "الحلم" بمواصلة قطار التطبيع دون أن تدفع الثمن في المسار الفلسطيني، وأنه في حالة انهيار السلطة، وغياب الأمن بالضفة الفلسطينية، وفي اليوم التالي لرحيل رئيس السلطة محمود عباس لن يكون لدى المستوطنين الصهاينة أمن وأمان أيضًا، ما سيضع المؤسسة الأمنية أمام تحديات غير مسبوقة.
وفي هذا السيناريو تُرَجح أوساط جيش العدو تصاعد المقاومة التي ستؤدي حتمًا إلى جولات من القتال، وزيادة في المواجهات بالضفة وقطاع غزة، ما يعيد الصراع إلى المربع الأول.
ويتساءل كتّاب صهاينة، لماذا لا نحاول طواعية خلق موازنة بين القضية الفلسطينية والمسألة الإقليمية؟، ويضيفون أن "معسكر اليمين الذي يهيمن على المشهد السياسي والحكم، يتصور أنه إذا جاءت دول من المنطقة وطبّعت معنا دون أن ندفع الثمن فلن يكون أمام الفلسطينيين خيار أيضًا، لكن هذا التصور مغلوط، فـ(ما يسمى) السلام الاقتصادي ليس كافيًا ولا بدَّ من حل سياسي".
مشاريع ومخططات معادية لا تتوقف، والشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لا يبرحون ثغورهم يواجهون تغول الاحتلال وتحالفه مع عدو الشعوب الولايات المتحدة، ولم تَنطلِ عليهم المشاريع الاقتصادية، واتفاقات التهدئة الزائفة، وهم يعلم يقينًا أن العدو لا يفهم سوى لغة القوة، والكفاح بكل أشكاله وفي مقدمتها الكفاح المسلح فهو الطريق الإجباري للخلاص ... طريق خبرته الشعوب التي استقلت ورفعت أعلام الحرية والكرامة وقد عبدته بالدماء الطاهرة للشهداء، الرجال الذين يقدمون أرواحهم اليوم في نابلس وجنين وطولكرم وبيت لحم وفي كل فلسطين.