كان الرد الفلسطيني على قرار وزير الحرب الصهيوني منح 800 مستوطن يغتصبون وسط الخليل، استقلالا عن بلدية الخليل باهتاً، ولم يرقَ إلى مستوى الفعل الذي يمارسه الصهاينة، فقد حذّرت حكومة رام الله من الهجمة الاستيطانية الشرسة التي تشنها الحكومة الإسرائيلية، والتي تسعى الى إنهاء أية فرصة لإحياء العملية السياسية، والقضاء على أي أثر للجهود الدولية في هذا الإطار.
التحذير لم يعد يخيف إسرائيل، ولن يوقف التوسع الاستيطاني، ومضمون التحذير يفضح حكومة رام الله التي انحصر اهتمامها في الحرص على العملية السلمية، بعيداً عن ردة الفعل الفلسطينية الغاضبة والمقاومة للاستيطان، فكلمة غضب وتحدٍّ ومواجهة لم يتطرق إليها بيان حكومة رام الله، وهذا ما أكدته حركة فتح في بيانها، حين قالت: إن القرار الإسرائيلي بمنح المستوطنين في الخليل صلاحيات إدارية خطيرٌ جداً، ويمثل نسفاً لكل الاتفاقيات الدولية الموقعة.
فلماذا لا تنسف اتفاقية الخليل التي وقعت سنة 1997؟ الاتفاقية التي قسمت مدينة الخليل إلى قسمين، قسم يكون فيه 80% من مدينة الخليل تحت المسؤولية الكاملة للسلطة الفلسطينية، وقسم يكون فيه 20% من مساحة المدينة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية؟
ولماذا تراجعت حركة فتح عن التهديد بإشعال الأرض تحت أقدام المحتلين؟ ولماذا لم تتوعد بزلزلة أركان الكيان، كما جرت العادة، لماذا الاكتفاء بإصدار بيان شجب، بلا قيمة عملية، وبلا أبعاد ميدانية على أرض الضفة الغربية المستهدفة بالاغتصاب؟ وعلى ماذا يدل ذلك؟.
وحتى لا تنصب الإدانة على حركة فتح لوحدها، دون بقية التنظيمات، فقد جاء بيان حركة حماس أيضاً ضمن الإطار اللفظي، حيث قال المتحدث باسمها: إن قرار الحكومة الإسرائيلية تشكيل مجلس يمثل المستوطنين في مدينة الخليل، يعد سابقة خطيرة، سيعزز من سلطات المستوطنين في الخليل، عبر توفير الخدمات البلدية لهم بعيدا عن البلدية الفلسطينية.
ولكن بيان حركة حماس أضاف فقرة تهديد خجولة، حين قال: ذلك يمثل سابقة خطيرة وتجاوزًا للخطوط الحمر، يتحمل الاحتلال النتائج المترتبة عليها.
الاحتلال على استعداد لتحمل النتائج، وقد أقدم على خطوته واعياً ومدركاً لأبعادها، ولو كان الاحتلال موقناً أن ردة فعل القيادة بالتنسيق مع التنظيمات الفلسطينية ستكون مغايرة للمألوف من شجب واستنكار وإدانة، لما أقدم على إجراءاته العملية، وعلى قراراته العنصرية، وهذا ما تجاهلته وزارة الخارجية الفلسطينية حين حملت الحكومة الاسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن تصعيد الاستيطان، وتداعياته على فرص حل الصراع بالطرق السياسية.
وحتى اللحظة، فقد اقتصرت ردة فعل الحكومة والخارجية والتنظيم على تداعيات القرار الإسرائيلي على فرص حل الصراع بالطرق السياسية، متناسين أنهم ضيقوا الخناق على الطرق الأخرى لحل الصراع، لذلك كانت ردة فعل القيادة على القرار الصهيوني أدنى من مستوى الحدث؟ ولاسيما أن خطورة الترتيب الجديد وسط مدينة الخليل تتجاوز السماح للمستوطنين بالحصول على الخدمات البلدية مباشرة من الإدارة المدنية الإسرائيلية، (الذراع المدني لوزارة الدفاع الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية)، وإنما يعطي للمستوطنين سلطات محلية قوية، قادرة في المستقبل أن تكون البديل عن بلدية الخليل، وهذا ما حصل قبل سنة 48، حين ساعد الاستعمار البريطاني التجمعات اليهودية في خلق مجالس محلية بديلة، تخدم اليهود، وتقلص من خدمات المجالس المحلية الفلسطينية؛ تمهيداً لضياع فلسطين، وإقامة دولة الكيان الصهيوني.
الشجب والإدانة والاستنكار ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لا تكفي، هذا كلام سخيف ورخيص، تضحك فيه الحكومة والقيادة والتنظيمات على الشعب، ولا سيما أن المستهدف هو الأرض الفلسطينية، وهي مادة الصراع التي تضيع أمام أعين الجميع، لذلك فإن المطلوب هو موقف سياسي جدي يوجع الاستيطان، وموقف ميداني فاعل، يربك تحرك المستوطنين، ويفسد مخططاتهم، ويوجد معادلة جديدة على الأرض، وما دون ذلك فهو كذب وهراء.