سجَّل الاحتلال الإسرائيلي قفزته الأكبر في القتل والإجرام بإقدامه على ارتكاب مجزرة جديدة في البلدة القديمة بنابلس الأربعاء الماضي في وضح النهار، أدت الى استشهاد 11، وإصابة أكثر من 100 منهم عدد كبير حالتهم بالغة وخطيرة، والسؤال الكبير كيف تصل قوات الاحتلال إلى عمق المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية التي تخضع بالكامل للسلطة وتنفذ الاقتحامات على مدار الساعة والمهم أنها تصل إلى الأهداف بدقة متناهية بقتل المقاومين؟
فلم نسمع يومًا أن السلطة قد تصدت للقوات الإسرائيلية، ولا أنها أوقفت مجازرها، ولا منعت اعتداءاتها المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، بل العكس من ذلك تتعاون وتنسق مع الاحتلال جهارًا نهارًا، وقد نتج عن هذا تماديها في الإجرام، فما يفصل مجزرة نابلس عن المجزرة السابقة في أريحا إلا بضعة أيام، قتل فيها خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون، وكذلك مجزرة جنين التي سبقتها بأقل من شهر واحد، وقد أسفرت أيضًا عن ارتقاء عشرة شهداء وإصابة العشرات، وتتوالى مجازر الإحتلال الإسرائيلي بقتل الفلسطينيين بدم بارد على مدار تاريخه الدموي مارستها العصابات الصهيونية منذ نكبة 1948، وأورثتها لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تألف منها، وهي ماركة مختومة على جبين الصهاينة تتبعها في القتل والترهيب وارتكاب المجازر، وسيلة للسيطرة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية وإفراغها من أهلها والسيطرة على المتبقي منها.
فارتكاب الصهاينة المجازر ليس بالأمر الجديد بصفتها طريقة موروثة تتعاقب عليها الأجيال والحكومات الصهيونية، التي تتفاوت سياساتها فقط بمدى ضم أو إطلاق يد القتل، كما هو حال حكومة سموتريتش -بن غفير التي يرأسها نتنياهو، إذ يرى الثنائي المنتميان للصهيونية الدينية ويتنكرون تاريخيًا لنكبة 48 وما تخللها من مجازر جماعية وتهجير وتطهير عرقي شامل قادته الصهيونية العلمانية، تمهيدًا لإقامة كيان احتلالي على أنقاض الشعب الفلسطيني، ترى أنها تستطيع استكمال المهمة أفضل وإراقة المزيد من الدماء الفلسطينية، فقد استشهد 64 فلسطينيًا من بداية هذا العام، وهو عدد كبير في أقل من شهرين قياسًا بالمراحل السابقة منذ الانتفاضة الثانية، ما يدلل على دموية هذه الحكومة العنصرية ذات الطاقم اليمينيّ المتطرف التي تبحث عن تحقيق أهداف أمنية وسياسية تنقذها من مأزقها الداخلي المتظاهر لاسقاطها بسبب عنصريتها وتطرفها، لذا هي الآن تقدم على الغلو في الدم الفلسطيني بقدر المستطاع، أو بسياسة العقاب الجماعي والاعتقالات المكثّفة، بزعم القضاء على المقاومة.
يبدو أن سلطات الاحتلال تسبق الوقت بتفجير الأوضاع قبيل حلول شهر رمضان المبارك، وأن كل ما يُقال عن تهدئة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذه المدة ما هو إلا لذر الرماد في العيون، فالمحلل العسكري الإسرائيلي أمير أورن، كتب في مقال نشرته صحيفة "هآرتس"، أن المتطرف سموتريتش يخطط لنكبة ثانية، بدليل أن سلطات الاحتلال تواصل ارتكاب المجازر تحت مسميات "التهدئة" الكاذبة، وهو ما قد يغريها بالوصول إلى أقصى حدود القتل حاليًا، قبل بلوغ تلك المرحلة، بزعم كبح جماح المقاومين، ومنعهم من الوصول إلى حالة الاشتباك المسلح، بل هي -كما أسلفت- لتحقيق إنجازات على الأرض تحسب لنتنياهو، وأيًّا يكن، فإن ما يرتكبه الاحتلال اليوم من المجازر والتصرفات الميدانية في الأراضي المحتلة هو لعب بالملفات الملغومة، سيكون من شأنه التسريع بالانفجار الكبير والمواجهة الشعبية الشاملة، وقد تتطور إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.