قائمة الموقع

طالب دويك.. اختاره الفن فطاف القدس بريشته 50 عامًا

2023-02-23T10:49:00+02:00
الفنان التشكيلي طالب دويك

مسيرة طويلة خطا أولى عتباتها في عام 1977 بعد تخرجه، لينثر ألوانه الزاهية التي يتعمد اختيارها في لوحاته البهجة والسعادة للمواطن المقدسي، وقد احتلت المدينة المقدسة غالبية لوحاته إن لم يكن جميعها، حتى في مشاركاته الخارجية.

الفنان التشكيلي طالب دويك (70 عامًا)، ولد في منطقة حوش الشاي في البلدة القديمة بالقدس، قضى طفولته بين حاراتها وأزقتها، وتذوق كل ما هو جميل من أقواس وقباب وأبواب وشبابيك، وجمالية قبة الصخرة والكنائس والمساجد والقناطر.


 

يعرف نفسه بأنه ينتمي إلى عائلة فقيرة ومتواضعة استطاعت التكيُّف مع الظروف الصعبة بوجود 12 طفلًا، حيث رافق والده الذي عمل بائعًا متجولًا في القرى الفلسطينية، فنال جمال المدينة منه وفتحت له آفاقًا واسعة.

خربشات

يتحدث دويك لصحيفة "فلسطين" أنه درس في مدرسة العمرية وكان دائمًا منشغلًا في كتبه يخربش على كراسته فلفت نظر أستاذه، فأمن العقاب من موهبته، وطلب منه أن يحضر رسوماته وألصقها له على جدران المدرسة والفصل.

عاش دويك حياة هادئة حتى عام 67، إذ طُردت عائلته من بيتها بحجة أنه مقام على كنيس يهودي، فانتقلوا للعيش في مدينة الخليل، لكن من يعش في القدس لا يقوى على فراقها، فعادوا إليها. 

يقول: "لم يكن والدي يقوى على تعليم اثنين في الجامعة، ولذلك اختارني الفن لدراسته، وليس من اخترته بحكم الفرصة التي أتيحت لي عند معرفتي بوجود منحة أردنية لدراسة الفنون في الجامعات المصرية، وبعد اجتيازي امتحان القدرات عدتُ بعد تخرجي للعمل مدرسًا للفنون في مدرسة المعهد العربي، وكانت أول مدرسة تُوظف أستاذًا متخصصًا يحمل شهادة في هذا المجال".


 

ويعود بذاكرته لبداية مسيرته الفنية عندما كان يحمل لوحاته ويقطع بها طريقًا طويلًا مسافة 12 كيلومترًا لأجل المشاركة في المعارض الفنية إصرارًا على أن تكون القدس حاضرة، هذا عدا عن مشاركته في العديد من المعارض الدولية على حسابه الشخصي لأجل التعرف على الفنانين.

وقد شغل دويك خلال مساره الفني العديد من المناصب، ومنها أمين رابطة الفنون ومن ثم رئيسها، ورئيس قسم الفنون الجميلة في جامعة القدس، ولا يزال يعمل مدرسًا في مجال الفنون بعدة كليات وجامعات في مدينتي القدس وبيت لحم.

شخصية فنية خاصة

ورغم دراسته الفنون المعاصرة فإن ريشته لطالما انجذبت لرسم الزخرفة والتصميم، فبعد تخرجه وجد أن ما درسه عالم آخر لا يتماشى مع فلسطين، "فالفن أسلوب مقاوم للاحتلال، لذلك عدتُ لرسم اللوحات المباشرة عن معاناة الناس. هذه اللوحات هي من قدمتني للناس، فأبحرت في مركبها أرسم لوحات ذات رمزية الهوية الفلسطينية".


 

يقول دويك: إن أول تجربة حقيقية للرسم جاءت بعد 5 سنوات من تخرجه؛ "بسبب الفجوة الكبيرة بين ما درسته وبين الواقع، ولكني حاولت أن أسلك خطًا مزدوجًا بين التصميم وتأثيرات فنية هولندية وفرنسية، فمزجت بين الخطوط والنقط وكونت لنفسي شخصية خاصة".

يشير إلى أنه بعدها بات يشارك كبار الفنانين في المعارض الجماعية، ويحوز على المراكز الأولى، ثم انطلق لعمل معارض شخصية القدس وأهلها، حتى حين مشاركته في معارض خارجية كاليابان وبلجيكا وإسبانيا والأردن، كانت تسافر القدس معه، يحملها في لوحاته.

"القدس تسكنني"

"فنان القدس" لقب يطلق على دويك لشدة تعلقه بالقدس ولحضورها الكبير في أعماله الفنية بما ذلك تفاصيل الحياة اليومية لسكانها تحت الاحتلال.

يقول: "حياتي في القدس جعلتي فنانًا ابن بيئتي، لأعبّر عن المكان والزمان الذي أعيش فيه، فركزت على شخصية مدينة القدس بكل ما فيها من رمزيات، وحضرت القبة الذهبية بقوة فيها لخصوصيتها الإبداعية والفلسفية في بنائها عدا عن أهميتها الدينية، فكل متر مربع في القدس، مشروع لوحة".

ويلفت إلى حضور القدس في الفن العربي، فغالبية الفنانين والمثقفين مع القضية الفلسطينية العادلة وحقوقهم المسلوبة، فالقدس القلب النابض للأمة العربية، وبالتالي الفنان لا بد أن يشارك ويتضامن مع الشعب الفلسطيني في لوحاته.


 

ويؤكد دويك أن الفنانين الفلسطينيين لهم مساهمة في الفن العربي، للخصوصية التي يتميز بها الفنان الفلسطيني والقضايا التي يحملها فهو يعبّر عن وطن مسلوب، "وبالتالي تنقل تلك الأعمال شخصية الوطن وهويته من خلال الزي والبناء المعماري والمقاومة، كما أن الفنان الفلسطيني له شخصيته وفنه وحضوره، فكل مشاركة له في دولة عربية يحمل القدس معه، فيرسمها ويدمجها مع الطبيعة اليمنية أو التونسية أو في أي دولة يقصدها للمشاركة".

ورغم الحياة الصعبة التي يعيشها المقدسيون بفعل الاحتلال، يحاول دويك أن يهرب من هذا الواقع الأليم، بإظهار الفرح والأمل في لوحاته والتي تعكسها الألوان المبهجة. 

ويستدرك قائلًا: "أحيانًا بعض الأحداث تدفعنا للتطرق لها، فمثلًا عند بناء الجدار خصصت معرضي "انتظار" و"ما وراء الجدار" للحديث عن الأمل المنتظر، ومعرض "شبابيك" اختص بالأسرى وحلم الحرية، وتطرقت في معارض أخرى للحديث عن المرأة الفلسطينية، وموسم قطف الزيتون".

ويختم حديثه بالتشديد على أن الفنان الفلسطيني صاحب موهبة وإبداع وحضور، رغم غياب الحاضنة الرسمية، "والفن طريق ومتنفس للتعبير عن الهوية والوطن والقضية".

اخبار ذات صلة