اختتمت القمة الإفريقية الـ36 أعمالها التي ضَمّت رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية، تحت شعار "تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة الإفريقية القارية".
وقد شارك في الاجتماع 35 رئيس دولة و4 رؤساء حكومات، ومستويات أخرى من التمثيل وفقًا لما أورده الناطق الرسمي باسم الحكومة الإثيوبية التي ترعى اجتماعات الاتحاد الإفريقي الذي يقع مقره الرئيس في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (الوردة الجديدة)، الذي يضم 54 دولة، وعددًا من الدول والهيئات المراقبة التي منها دولة فلسطين.
وضجت قاعة انعقاد المؤتمر حين طردت ممثلة دولة الاحتلال، برئاسة السفيرة شارون بارلي نائبة مدير دائرة إفريقيا بالخارجية حين حاولت المشاركة بالجلسة الافتتاحية للقمة الإفريقية، لكن معارضة دول إفريقية عدة، على هذه المشاركة، وعلى رأسها الجزائر الشقيقة ودولة جنوب إفريقيا الصديقة، حال دون ذاك الحضور، ما استدعى تدخل أجهزة الأمن التي فرضت خروجًا مُذلًا على وفد كيان الاحتلال الذي عانت من مثيلاته على يد الغرب الاستعماري كل دول القارة السمراء، ولم يزل بعضها تحت وطأته حتى اليوم.
وكانت (المستعمرة) قد مُنِحت "صفة مراقب"، وهو القرار الذي اتخذه منفردًا رئيس المفوضية الإفريقية موسى فكي صيف عام 2021، وجمّد قراره في قمة شباط 2022 بالإجماع بعد احتجاجات إفريقية واسعة.
خارجية العدو أعربت عن غضبها الشديد، وقالت في بيان لها أن وفدها "عُومل بطريقة فظّة".
كما اتهمت مباشرة الجزائر وجنوب أفريقيا بالوقوف وراء هذا الحدث، مُدعية أن الاتحاد الإفريقي "رهينة بيد دول تحركها الكراهية"، على حد زعمها.
وقد أوضح رئيس المفوضية السبب وراء طرد وفد (تل أبيب) بقوله، أنه أخرج "لأننا لم نَدْعُ هذا الوفد"، مؤكدًا قرار تعليق "منح (تل أبيب) صفة مراقب حتى يبحث هذا الإجراء عبر لجنة خاصة من رؤساء دول إفريقية".
وتتفق آراء عدة، على أن منح (إسرائيل) صفة مراقب في منظمة الاتحاد الإفريقي يخالف مبادئ المنظمة، فيما ما تزال هذه القضية تثير سجالات وانقسامات منذ أن تفجرت للمرة الأولى عندما عمد مفوض الاتحاد موسى فكي، بصفة فردية إلى منح (إسرائيل) صفة مراقب في 22 تموز 2021، دون استشارة الدول الأعضاء.
وأدى ذلك يومها إلى قيادة الجزائر وجنوب أفريقيا جهودًا لتعليق القرار والتراجع عنه، وهو ما تحقق في قمة الاتحاد الإفريقي، التي عقدت في فبراير/ شباط 2022، عندما قررت القمة تعليق منح (إسرائيل) صفة مراقب وتشكيل لجنة من سبعة رؤساء دول منها الجزائر، لإصدار توصية في القضية.
وأوضح "فكي" الأحد أنه "في العام الماضي كان هناك نقاش بشأن وضع الكيان كمراقب في الاتحاد الإفريقي، والقمة الماضية قررت تشكيل لجنة خاصة تتكون من رؤساء دول للبت في القضية، وهذا يعني أن وضع دولة العدو يبقى معلّقًا إلى حين بتّ لجنة الرؤساء فيه".
وتعرّض وفد الكيان، الذي حضر من (تل أبيب) للمشاركة في القمة، للطرد من قاعة مؤتمرات الاتحاد الإفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ورافق أفراد أمن الاتحاد الأفريقي الوفد إلى خارج القاعة.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية إنّ مسألة منح (تل أبيب) صفة "مراقب" في منظمة الاتحاد الإفريقي، جرى تداولها في أروقة الاتحاد قبيل انعقاد القمة، وشهدت المناقشات بشأنها خلافات بين الدول الإفريقية، ولفتت المصادر إلى أن المجموعة العربية داخل الاتحاد بقيادة الجمهورية الجزائرية، مدعومة بدولة جنوب أفريقيا، ضغطت في سبيل منع إعطاء (إسرائيل) صفة "مراقب"، وأن الموضوع عُلِّق إلى "أجل غير مسمى".
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الهدف الأول الذي تأسست عليه منظمة الوحدة الإفريقية في مايو/ أيار 1963 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، هو بذل الجهود لتحقيق مبدأ حق تقرير المصير لكل الشعوب الإفريقية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار".
ولفت إلى أنّ "منظمة الوحدة الإفريقية، لم يغب عن حسبانها أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة الذي صدر عام 1945، من ضمن مبادئه: نيل الشعوب حقها في تقرير مصيرها، وهذا يعني أن الشعوب تختار النظام السياسي والنظام الاقتصادي الذي ترتضيه لحكمها، وأيضًا منظمة الاتحاد الإفريقي، وهي المنظمة الخلَف لمنظمة الوحدة الإفريقية، سارت على ذات النهج الذي تبنته المنظمة السلَف".
ولفت إلى أنّه من غير المُتصور، لا من الناحية القانونية، أو المنطقية، أو العقلانية، أن يكون هناك ترحيب ليس فقط بعضوية (إسرائيل) وانضمامها إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، ولكن حتى مجرد أن تحضر تلك الدولة التي تحجر على الشعب الفلسطيني، نيل حقهم في تقرير مصيرهم والتحرر وإقامة دولة قابلة للحياة بأركان الدولة المعروفة في القانون الدولي.
وشدد سلامة على أنه "إذا فعلت منظمة الاتحاد الإفريقي ذلك، فإنها تتنكر لمبادئها، والمبادئ تعلو وتسمو على القواعد، ولذلك كان الإجراء الذي اتخذته الدولة المضيفة للقمة في طرد من حضر من الكيان، جهارًا نهارًا وأمام شاشات التلفاز والكاميرات المختلفة لوسائل الإعلام، إجراءً طبيعيًا ومنطقيًا".
وفي الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم خارجية العدو، ليئور هايات، إن بلاده "تأخذ على محمل الجد الحادث (الطرد) وعَبَّرَ عن أسفه لأن الاتحاد الإفريقي "اختُطِف رهينة في يد مجموعة قليلة من الدول المتطرفة مثل الجزائر وجنوب أفريقيا اللَتين تحركهما الكراهية وتقعان تحت تأثير إيران، ونحن ندعو الدول الإفريقية إلى الوقوف بوجه هذه الأنشطة التي تمسّ بمنظمة الاتحاد الإفريقي نفسها والقارة بأسرها"، على حد قوله.
وعلق مراقبون كُثُر إن "الجزائر تحديدًا، ونتيجة الويلات والجرائم الدولية، سواء كانت جريمة العدوان في عام 1830 (تاريخ بدء الاستعمار الفرنسي)، ثم الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ عام 1830 وحتى استقلالها في يوليو 1962، ولكون الجزائر إحدى أكبر الدول في الشرق الأوسط التي رزحت تحت نير الاحتلال العسكري الفرنسي الغاشم لمدة ناهزت قرنًا ونصف قرن من الزمان، كانت وما تزال إحدى أكبر الدول الداعمة لحق الدول في تقرير مصيرها، مثلها مثل دولة جنوب أفريقيا، التي عانت تحت وطأة النظام العنصري البغيض حتى عام 1994".
إن الاهتمام (الإسرائيلي) بالقارة الإفريقية ليس حديث العهد، فقد سعت لتطبيع علاقاتها مع الدول الإفريقية منذ لحظة التأسيس عام 1948، ومع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 2009، شهدت العلاقات الإفريقية مع (تل أبيب) تطورًا ملحوظًا، تجسد في الزيارات التي قام بها للقارة، وأعلن فيها أن (تل أبيب) تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى (تل أبيب)، تلا ذلك ثلاث زيارات أخرى، شارك نتنياهو في واحدة منها، وهي قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في ليبيريا 2017".
ومعلوم أيضًا أن تلك المرحلة شهدت زيارات متعددة لرؤساء دول أفريقية لــ(تل أبيب) إلى جانب استئناف العلاقات الدبلوماسية معها، كما حدث مع غينيا 2016، وتشاد في عامي 2019 و2023، فضلًا عن افتتاح سفارة تنزانيا في (تل أبيب) عام 2018، لتصبح الدولة الإفريقية الخامسة عشرة التي لها بعثة دبلوماسية هناك، وأصبح للكيان 11 بعثة دبلوماسية أخرى في عدد من دول القارة مثل توغو، وتشاد، وأوغندا، وكينيا، ورواندا، وإثيوبيا، وغانا، وكوت ديفوار، وغينيا وغيرها، إلى جانب تبادل السفارات مع جنوب إفريقيا التي أقيمت إبان الحكم العنصري في بريتوريا، هذا إلى جانب أن عام 2020 جاء ليشهد تطبيعًا مع العدو وعدد من الدول العربية، وهو ما انعكس إيجابيًا على علاقة الكيان بالدول الإفريقية، وخصوصًا أنه من بين الدول التي قامت بالتطبيع دولتين إفريقيتين، هما المغرب والسودان، وبعد ذلك ذهب الرئيس التشادي (محمد ديبي) إلى القدس المحتلة في الأول من شباط الحالي لافتتاح سفارة بلاده في (تل أبيب)، وفي التوقيت نفسه تقريبًا، كان هناك وفد برئاسة وزير الخارجية إيلي كوهين يزور الخرطوم، وكان في استقباله رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ليعلن بذلك سقوط لاءات السودان الثلاث تجاه العدو (لا سلام، لا صلح، لا تفاوض)".
وأمام كل هذه الاعتبارات، يمكن القول إن طرد وفد العدو من قمة الاتحاد الإفريقي لن يكون آخر المطاف، وإن محاولات ستحدث لإحتوائه، في سياق إستراتيجية إسرائيلية مدعومة أميركيًا للانتشار والتغلغل، ولو كان بالضغط المباشر من أميركا وشركائها الإقليميين في المنطقة.
دولة العدو تفعل المستحيل لاختراق القارة البكر والزاخرة بالخيرات، وطموحات الدول الغربية الاستعمارية للاستمرار في نهب المصادر الطبيعية قائم على قدم وساق: معركة محتدمة ومفتوحة تقودها الجزائر وجنوب أفريقيا، وقد أكد التاريخ دومًا أن الشعوب هي المنتصرة دومًا.