فلسطين أون لاين

تقرير الحبس المنزلي لأطفال القدس.. عقوبة تدفع ثمنها عائلاتهم

...
الحبس المنزلي للطفل "قنيبي".. عقوبة يدفع ثمنها أفراد العائلة
القدس-غزة/ يحيى اليعقوبي:

من نافذة منزله يطل الطفل علي قنيبي (13 عامًا) بعيني الحسرة على جيرانه الأطفال وهم يلعبون كرة القدم في ساحة ملعب قريب من منزله بحي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، فهو لا يستطيع الخروج من باب منزله الموصد أمامه للعب معهم؛ لأنه يمضي عقوبة "الحبس المنزلي" التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي عليه.

في شهر يوليو/ تموز 2021 فرض الاحتلال حبسًا منزليًا على الطفل علي انتهى في مارس/ آذار 2022، وفي شهر ديسمبر/ كانون أول الماضي جدد له قرار الحبس المنزلي مدة أربعة أشهر تفاقمت معه معاناة الطفل ووالديه.

علي واحد من بين 600 طفل فلسطيني في القدس المحتلة تعرضوا للحبس المنزلي، وفق معطيات نشرتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين، في وقتٍ يكثف الاحتلال استخدام الأسلوب سياسة ممنهجة يحارب من خلالها أطفال القدس.

حالة اكتئاب

"أصبحنا مثل سجانين للطفل، لا نسمح له بالخروج، فهو إجمالاً طفل وحياة الأطفال لعب، وعندما يرى أصدقاءه الأطفال يلعبون وهو محروم من ذلك ولا يستطيع الذهاب لمدرسته ولا يستطيع حتى الوقوف عند الباب فإنه يصاب بحالة اكتئاب" يقول راتب قتيبي والد الطفل لصحيفة "فلسطين".

لم يتخيل قنيبي الأب أن يقف في يوم من الأيام أمام فلذة كبده، ويصبح سجانًا له يمنعه من الخروج وذلك لتجنب دفع غرامة مالية تبلغ 60 ألف شيقل في حال كسر ولده الحكم وخرج من المنزل، رغم "تفهم طفله الأمر وصبره".

بين جدران أربعة تحيط به من جميع الاتجاهات، يعيش علي عزلةً عن العالم الخارجي، ويحرم من أبسط الحقوق التي كفلتها القوانين، تفاصيل معاناة تستشعرها بصوت والده المسكون بالحرقة والألم: "نحن قريبون من منطقة مفتوحة يلعب بها الأطفال، تطل نافذة غرفته عليها، فهو يشاهدهم وهم يلعبون كرة القدم التي يحبها، ويحرم من ذلك".

وبالرغم من أن الاحتلال سمح لعلي بالذهاب مع والده للمدرسة بعد ثلاثة أشهر من حبسه الأول منزليًا خلال ساعات الدراسة فقط، فإن نفسية الطفل لم تتحسن، وعاش ضغوطًا صعبة، خلقت معاناة إضافية لوالده الذي يضطر للاستيقاظ صباحًا لاصطحاب نجله للدراسة، ثم يذهب للمدرسة الساعة الثانية عشرة والنصف لإعادته للبيت وبدء سريان قرار الحبس.

وتخالف (إسرائيل) بالحبس المنزلي اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 في مادتها (37-أ) التي تكفل ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتنص الفقرة (ب) على أنه لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية.

عقوبة طويلة

قبل أيام أطفأ الفتى المقدسي أشرف كايد الرجبي شمعة ميلاده الثامنة عشرة وهو لا يزال يقبع بالحبس المنزلي منذ عام ونصف العام الذي فرضه الاحتلال عليه وهو بعمر ستة عشر عامًا ونصف العام.

وبعد مدة اعتقال طويلة تحول فيها المنزل لسجن دائم لأشرف الذي لم يفرح بطفولته، سمحت له سلطات الاحتلال قبل أربعة أشهر بالخروج من المنزل في الفترة بين السابعة صباحًا حتى الثالثة عصرًا، ليتمكن من الدراسة استعدادا لتقديم امتحانات الثانوية العامة.

الفتى المتفوق في دراسته، كما يصفه والده لصحيفة "فلسطين"، يحمل على عاتقه إدخال فرحة نغصتها مرارة عقوبة الحبس المنزلي التي فرضها الاحتلال على الطفل وعانى بسببها كل أفراد الأسرة.

لكن حتى الفرحة المنتظرة بين تلك المعاناة قد لا تأتي، بعد أن قامت مخابرات الاحتلال باعتقال ابنه في مطلع فبراير/ شباط الجاري من أمام مقر محكمة الاحتلال بالقدس واقتادته لزنازين التحقيق بسجن "المسكوبية" على خلفية الأحداث الجارية بمدينة القدس المحتلة، وما زال معتقلا حتى الآن.

يعتصر قلب والده وهو يعدد تفاصيل معاناة نجله مع الحبس المنزلي، قائلا: "يمنع من زيارة شقيقته المتزوجة، وكذلك زيارة بيت جده، هو يحب الرياضة ودائمًا بعد صلاة الفجر كل يوم جمعة كان يذهب للعب كرة القدم بحي الشيخ جراح قبل فرض الحبس، فحرم من ذلك، وأصبح لديه حالة اكتئاب من جراء كل ذلك وأصبح محبطًا وتراجع تحصيله الدراسي".

لم تقتصر معاناة العائلة عند الحبس، بل تتعرض لاقتحامات مفاجئة من قوات الاحتلال إما الساعة الواحدة وإما الثانية فجرًا، وإما السابعة صباحًا وإما الخامسة مساءً، للتأكد من تنفيذ القرار لتعيش العائلة في حالة قلقٍ دائم من الاقتحامات المفاجئة من شرطة الاحتلال.

عقاب جماعي

يصف مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"، حلمي الأعرج الحبس المنزلي بأنه عقاب جماعي للأطفال محرم دوليًا، يحرمهم من اللعب والتعليم ويجعل الأهالي بمنزلة سجانين خوفًا من دفع غرامات باهظة تفرض على الأطفال إذا لم يلتزموا تنفيذ العقوبة.

وقال الأعرج لصحيفة "فلسطين": إن "المعاناة قد تزيد في حال فرض الاحتلال الحبس المنزلي خارج الحي ما يضطر الأهالي لدفع تكاليف استئجار منزل"، متهمًا الاحتلال بـ "التفنن" في فرض العقوبات الجماعية على أطفال القدس.

ولفت إلى أن ما يزيد معاناة الأطفال أن الاحتلال لا يعد الحبس المنزلي جزءًا من عملية الاعتقال، وعليه لا تحسب الفترة الزمنية جزءا من مدة السجن التي يمكن أن تقررها محاكم الاحتلال.

وشدد الأعرج على ضرورة أن يطلع العالم على حجم معاناة الأطفال وعائلاتهم بالقدس، معتقدًا، أن الاحتلال يستخدم هذا الأسلوب لإرهاب الجيل بأن هناك عقوبات متعددة تؤدي للسجن والحرمان من التعليم لثنيه عن قضاياه الوطنية.

في حين تعد مديرة مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان سحر فرنسيس الحبس المنزلي، سياسة ممنهجة خطيرة بحق الأطفال، يحول الأهل إلى سجانين يراقبون أطفاله على مدار 24 ساعة.

وقالت فرنسيس لصحيفة "فلسطين" إن الحبس يشكل ضغطا نفسيا للطفل، وتكثيف الاحتلال استعماله على نطاق واسع يؤشر على استهداف ممنهج للأطفال ولسياسة قمع الشعب الفلسطيني، مشيرةً إلى أن لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة والمستويات الدولية على علم بهذه السياسة، وتغيب عنها الإرادة السياسية لمحاسبة الاحتلال.