فلسطين أون لاين

​طوِّل بالك

...
صورة تعبيرية
بقلم : الكاتب الصحفي/ معاذ العامودي

دخل أبو يزن بيته يلبس بزته "الأنيقة" يقدح من عينيه الشرار، يضرب الأخماس بالأسداس، ويشبه العائد من معركة وقف فيها على الأعراف "لا هازم ولا مهزوم" لاحظت زوجته عليه التعب الشديد والإرهاق النفسي، كعادته عاد من عمله بعد معركة شعواء مع مديره الأبله، وعليه تفريغ شحنات غضبه على بيته وأولاده، ألقى بحقيبته على مدخل الباب، وضرب حذاءه في زجاج الشباك الأمامي لغرفة الأطفال، وقال بصوت عالٍ: "إيش طابخين اليوم، بدِّي أتسمم".

صمتت زوجته، أخذت حقيبته، ورفعت حذاءه، وعلَّقت بدلته، وقالت بصوت منخفض جداً: "لقمة العيش مغموسة بدم".. سمعها تتمتم فقال لها: "آه قولي أنتي الثانية، إيش بدك في وجهك الأجلح"؟، قالت له: "يا أبو يزن وحد الله، وطوِّل بالك، حين تدخل البيت اترك العمل وهمومه خلفك".

بدأ يلهط من صحن الملوخية كإنسان عائد من صحراء منذ عشر سنوات لم ير طعاماً قط، ويتحدث بكلام غير مفهوم، يخلطه ببعض الزيتون، وقليل من الليمون، والفلفل الحار، و"يفش غلَّه في الطعام" ثم أتبعه بصحن من الفواكه، ثم المكسرات، والشاي والقهوة، واستمر في الأكل لساعتين متواصلتين، قالت له لزوجته: يا ساتر إيش صاير معاك اليوم في الشغل؟ بدأ يتحدث بهدوء تام إلى أن وصل لحظة الاصطدام مع مديره الذي خصم عليه يوماً كاملاً جراء تأخيره عن العمل بسبب أزمة المواصلات، أو الظروف الصعبة، بواقع نصف ساعة يومياً إلى ربع ساعة.

قالها صارخاً "الوظيفة أسوأ أشكال العبودية في العصر الحديث"، وأضاف: "آخ لو الواحد معاه فلوس"، لترد عليه زوجته: "طوّل بالك يا أبو اليزن.. التجَّار مديونون وبضاعتهم وفلوسهم في السوق ومش عارفين يعملوا شي".. نظر لها بنصف عين قائلاً: "لو الواحد يشتغل مهنة في إيده أحسن من مليون وظيفة"، فقالت له: "طول بالك ما حد قالك تدرس كان مسكت في مهنة وهيهم قاعدين سبع صنايع والبخت ضايع".

هنا صرخ أبو اليزن في وجه زوجته وضرب الكوب بيده فكسر الكوب وجرح يده، وغاب في اليوم الثاني عن العمل جراء إصابته، ولكن المدير لم يتصل عليه ليطمئن على صحته، بل خصم يوماً جديداً عليه دون أي مبالاة، فضحك أبو اليزن من سخرية القدر وقال: "فعلاً طوِّل بالك".