يرى مراقبون أنّ العصيان المدني الذي لجأ الفلسطينيون إليه في القدس المحتلة أمس، هو إحدى أدوات المقاومة الفلسطينية التي نجحت في مجابهة الاحتلال عبر محطات تاريخية بارزة.
وقال هؤلاء في أحاديث منفصلة مع "فلسطين": "على مدار التاريخ الفلسطيني كان العصيان المدني جزءًا من العمل المقاوم والثورة ورفض الشعب للاحتلال وقبله الانتداب البريطاني والظلم والقمع".
وأعلن أهل القدس عصيانهم المدني في وجه القرارات الإسرائيلية، شارك فيه عشرات الآلاف من مخيم شعفاط، وبلدة العيسوية والرام وعناتا وجبل المكبر وعدد من الأحياء في القدس المحتلة، احتجاجًا على إجراءات حكومة الاحتلال العقابية واستمرار التضييق على الفلسطينيين في المدينة المقدسة.
اقرأ أيضًا: "حماس": العصيان المدني في القدس خطوة مهمّة لصدِّ عدوان الاحتلال
ويأتي العصيان "ردًّا على جرائم حكومة الاحتلال المتطرفة والعنصرية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في القدس وجميع المناطق الفلسطينية، وخاصة ما ترتكبه من إجراءات انتقامية وتنكيل وتعذيب وإذلال وقهر يومي على حاجز مخيم شعفاط"، كما جاء في بيان القوى الوطنية بالقدس.
قبل عدة شهور أعلن المقدسيون عصيانًا مدنيًّا على الاحتلال، بعد 5 أيام متواصلة من حصار الاحتلال لمخيم شعفاط شمال شرق القدس المحتلة، وإغلاق الحاجز الذي يفصل المخيم عن المدينة بعد عملية إطلاق نار نفّذها البطل عدي التميمي في 8 أكتوبر/ تشرين أول 2022، شارك فيه عشرات الآلاف من أبناء المخيم، نجحوا في إنهاء الحصار.
محطات بارزة
والعصيان المدني الحالي والسابق لم يكونا أول الاحتجاجات المدنية الجماعية في تاريخ الشعب الفلسطيني، ففي 20 إبريل/ نيسان 1936 خاض الفلسطينيون عصيانًا مدنيًّا استمر 6 أشهر ضد الانتداب البريطاني، وكان هدف العصيان المطالبة بوقف الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين، ومواجهة سياسة بيع الأراضي لهم، والمطالبة بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وامتد العصيان ليشمل جميع مدن فلسطين وقراها من الشمال للجنوب.
يقول الكاتب والمحلل المقدسي د. محمد جاد الله: إنّ "العصيان المدني دائمًا يؤدي إلى نتائج وثمار، وأنه على مدار التاريخ الفلسطيني كان العصيان المدني جزءًا من العمل المقاوم والثورة ورفض الشعب للاحتلال وقبله للانتداب البريطاني والظلم والقمع".
ويضيف جاد الله لصحيفة "فلسطين": إنّ "إعلان أهل القدس العصيان المدني، يعني أننا أمام حالة نهوض نُقابل فيها التصعيد بالتصعيد، ويدلل أنّ الشعب الفلسطيني لديه مخزون عالٍ وإرادة لا حدود لها وأصالة وانتماء وأنه قادر على تقديم التضحيات".
وتابع: أنّ العصيان المدني له استحقاقات وتضحيات، خاصة في مواجهة حكومة إسرائيلية متطرفة تحكم دولة الاحتلال هدفها القتل والتهجير وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية، ومحاولة فرض المشروع الصهيوني.
كما امتد العصيان المدني لجميع أرجاء فلسطين عبر محطات تاريخية، يتوقع جاد الله أن يمتد العصيان المدني الحالي إلى أطراف الضفة أو في محيط القدس على أدنى تقدير.
ويشير إلى أنّ القدس شهدت عصيانًا مدنيًّا في منطقة "بيت ساحور" إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى وفيها حرق المقدسيون هوياتهم، وتوقفوا عن دفع الضرائب، ومؤخرًا العصيان المدني في مخيم شعفاط الذي استمر خمسة أيام عقب تنفيذ عدي التميمي عملية بطولية عند حاجز إسرائيلي على أطراف المخيم، دفع الاحتلال إلى محاصرة المخيم مدة 11 يومًا.
ويعد العصيان في بلدة بيت ساحور شرق بيت لحم محطة عصيان بارزة كانت إبان الانتفاضة الأولى، حيث شمل الإضراب العام الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت بلدة بيت ساحور شرق مدينة بيت لحم إحدى أبرز بؤره، حيث امتد من عام 1988 وحتى اتفاق أوسلو عام 1993.
اقرأ أيضًا: النائب قرعاوي: العصيان المدني خطوة مهمَّة لمواجهة صلف الاحتلال وإرهابه
وتَمثّل العصيان المدني آنذاك في إضراب العمال الفلسطينيين لدى مؤسسات الاحتلال، ورفض دفع الضرائب، واعتماد التدريس المنزلي، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، والاستغناء عن الهويات الإسرائيلية في يوليو/تموز 1988، ونجح العصيان في دفع الاحتلال للتراجع.
وبالرغم من أهمية أسلوب العصيان المدني كأسلوب وجزء من الصراع، إلا أنّ جاد الله يلفت إلى أنّ العصيان لا يؤدي لنتائج فورية وإنما تتراكم بهدف الوصول لحلول لصالح الشعب.
رسالة مقدسية
وحول التزام الفلسطينيين بالعصيان في يومه الأول بالقدس، رأى أنّ القدس معروفة أنها عامرة بأهلها وأنها قادرة على إرسال الرسالة المطلوبة للاحتلال، حتى لو كان في أدنى المستويات.
وتوقع أن لا يدفع العصيان الاحتلال للتراجع، لكون التراجع يحتاج انتفاضة شعبية فلسطينية عارمة في جميع أرجاء فلسطين، أمام حكومة فلسطينية تريد إلغاء الوجود الفلسطيني بحيث تؤدي الانتفاضة لهزيمة المشروع الفلسطيني.
فيما يقول الكاتب والمحلل المقدسي راسم عبيدات: إنّ دوافع العصيان الحالي كان بسبب العقوبات والاستهداف الواسع من حكومة وبلدية الاحتلال لأهل القدس، إذ تريد حكومة الاحتلال المتطرفة حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، بشنّ حرب شاملة على مختلف القضايا، سواء القضايا الاقتصادية أو ملف المسجد الأقصى.
وأضاف عبيدات لصحيفة "فلسطين"، أنّ إجراءات الاحتلال دفعت المقدسيين لإعلان حالة من العصيان المدني تخلله إضراب شامل شمل عدة أحياء، ما يعني أنّ الأوضاع ذاهبة نحو التصعيد والانفجار نتيجة تلك السياسات الإسرائيلية بحقّ أهل القدس.
ويعتقد أنّ عدم خروج العمال للعمل سيؤثر في القطاعات الاقتصادية للاحتلال خاصة قطاعات البناء والخدمات والزراعة، لأنها تعتمد على العمالة الفلسطينية بالقدس اعتمادًا كبيرًا ما يؤدي إلى شلّ الاقتصاد الإسرائيلي.
تصاعد الخطوات والمواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، وفق عبيدات، يؤشر لانفجار الأوضاع مع اقتراب حلول شهر رمضان، بفعل قرارات وزير ما يسمى "الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي يحاول استباحة المسجد الأقصى، بجانب عمليات الهدم والاعتقالات الواسعة بالقدس، فضلًا عن استهداف المدارس وغيرها من الانتهاكات.
ولفت إلى أنّ حجم الهجمة الشرسة التي يشنها الاحتلال دفع أهل القدس لاتخاذ خطوة استباقية، وتصعيد للجم مخططات الاحتلال، معتبرًا ذلك تطورًا نوعيًّا سببه تصاعد انتهاكات وجرائم الاحتلال خاصة مع صدور دعوات إسرائيلية لهدم أكثر من 22 ألف منزل بالقدس المحتلة فضلًا عن حربه على الأسرى.