فلسطين أون لاين

كاريكلام

​إلى سيدتي "وزيرة المالية"

...
صورة تعبيرية
بقلم / د.علاء اللقطة

كانت تتحدث في المجالس النسوية بذراعيها، فمع كل حرفٍ تنطقه لا تنسى أن تلوّح بيديها بحركات تلفت النظر وتشد الانتباه!

قد يكون هنالك تفسير لدى مدربي التنمية البشرية لهذه الحركات في علمهم بما يسمى "لغة الجسد" لكن حركات "أم محمد" هنا قد تتجاوز هذا العلم إلى مغزى آخر جديد..
فنصيحة "حماة زوجها" لها أن تأتي على مدخرات زوجها الموظف البسيط "أبو محمد" وتحويلها إلى "صيغة" وهي كلمة دارجة في المجتمع الفلسطيني تعني الذهب، ليس من منطلق تنويع المدخرات كما ينصح الاقتصاديون بما يعرف بـ"السلة المالية" وتعني تنويع الأموال ما بين دولار ويورو ويِنْ وذهب لتفادي مخاطر تصاعد وهبوط العملة.
كان أهل الحارة يعرفون قدوم أم محمد من مسيرة كيلومتر، فصوت صيغتها المنتشر من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها يسبقها كقرع أجراس كنيسة في أعياد الميلاد، أو كعدْو فرسٍ كامل السِّرْج والجهاز.
كانت أمها لا تأمن مكر الرجال، فالرجل إذا "جري القرش بإيده" سيتزوج من ثانية، لذلك "الست الشاطرة" هي من "تُنفّض" جيوب زوجها أولا بأول في طلبات مليانة وفارغة حتى لا "يلاحق" بالكاد على مصاريفها وعيالها فيبقى تحت كنفها "منتوف" الجناح..
أما جارتها الأرستقراطية أم تحسين "أم توتو" فرغم راتب زوجها المحدود إلا أنها لا تتنازل عن أرستقراطيتها وبريستيجها حتى لو دعا الأمر لأن يستلف زوجها أو يشترك في عدة جمعيات مع أصدقائه ليلبي طلباتها التي لا تنتهي ولا تبدو أقل مستوى من فلانة أو علانة، فلم تعد "السترة" وحدها تكفي بل يجب أن يرافق السترة سيارة فارهة وأثاث راقي و"بيبي سيتر" فلبينية وملابس ماركة ومجاملات باذخة وفي ذلك تنافس المتنافسون..
وقد يقابل هذه المنافسة على النقيض منافسة أخرى تعرف بمنافسة "التقتير" فلا يخرج القرش من جيب صاحبه إلا بـ "زار" وهو طقس صوفي يقام لإخراج الجن من جسد المركوب.
وللتغلب على سياستي البذخ والتقتير أسرّ لي أحد الأصدقاء حيلة ماكرة وهو طبيب نساء خبير بشعابها، تقوم نظريته على أن المرأة لا ترتاح ولا يهدأ لها بال طالما "وزارة مالية البيت" بيد الرجل، فتعمل جاهدة على استنزافها، أما إذا انتقلت "المالية" إلى يدها فسيهدأ بالها وتطمئن نفسها وتضع كل قرشٍ في نصابه الصحيح..
من يومها أصبح راتبي الشهري يصبُّ في حسابها وتقوم هي بضبط إيقاعه على مدار الشهر كمقطوعة لبيتهوفن دون بذخ أو تقتير.
بالأمس اصطحبتني معها إلى "السوبرماركت" وعند قسم الحلويات حيث نقطة ضعفي نسيت نفسي فصرتُ أضع في السلة مما لذ وطاب دون حساب، فاستوقفتني زاجرة لي بعفويتها المعهودة "ما هو إنت مش تعبان في الفلوس!" ثم استدركت ما قالت فدخلنا سويا في نوبة ضحكٍ هستيرية جعلتنا محط أنظار المتسوّقين.