فلسطين أون لاين

وثق بثلاثة وسائط

"العودة المتخيَّلة".. كتاب يحيي الذاكرة الفلسطينية من وحي صور عائلية

...
الفنانة البصرية فيرا تماري
رام الله-غزة/ هدى الدلو:

في أرشيفها العائلي وجدت الفنانة البصرية فيرا تماري فكرة لإحياء الذاكرة الفلسطينية وتوثيق ذكرياتها الخاصة في كتاب "العودة المتخيلة" والذي يضم بين دفتيه ذكريات عائلة فلسطينية في النقوش الطينية والصور والنصوص.

تعود بذاكرتها إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، بداية مولد الفكرة عندما كانت تماري تنحت لوحة فخارية مستوحاة من صور عائلتها في يافا، كتبت حينها قصتين غير مكتملة الأحداث، لتصف حالتها بأنها "نوبات شعورية وحنين اتجاه شخوص في الصور".

تجمد المشروع لسنوات طويلة بسبب انشغالها، حتى تقاعدت عن عملها كمحاضرة في الفن والعمارة الإسلامية بجامعة بيرزيت، وقد منحتها جائحة كوفيد-19 وما فرضته من إجراءات التباعد والمكوث في المنزل لفترة طويلة، فرصة لإنجاز مشروعها الذي بدأته عام 1989.

صور من مجتمع المدينة

اختارت تماري من أرشيف والدها المصور الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية، خمس عشرة صورة لنحت لوحات فخارية.

وتشير إلى أن عند تحليل تلك الصور توصلت إلى مدى التنوع والثراء فيها، فهي تعبّر عن الحياة اليومية والطبقة الوسطى التي تعيش في مجتمع المدينة، وتتناول الأوضاع السياسية في فلسطين قبل أحداث النكبة 1948.

تقول لصحيفة "فلسطين": "رغم أن الصور لم تكن موثقة جيدًا إلا أن والدي سرد حكايات كثيرة عنها ووصف لنا الحياة في يافا".

وعند اختيارها الصور راعت تماري بأن تكون نقاط ارتكاز للسرد الكتابي لتتمكن من الانتقال في الكتابة من الخاص إلى العام دون أي مشاكل خاصة فيما يتعلق بالروابط الحسية التي تربطها مع الصور، رغم أن غالبية الأشخاص الموجودين في الصور لا تعرفهم ولكن حدثها والدها عنهم، وأغرتها العلاقة الحميمة والحياة الاجتماعية والمتقاربة بينهم، والتي هي الحياة الطبيعية لأهل المدن قبل النكبة والتهجير القسري. 

وتضيف تماري: "حمل كتاب العودة المتخيلة الصادر باللغة الإنجليزية فكرة إعادة كتابة ذكريات بعض الأشخاص وسرد حكاياهم قبل الهجرة. جاء الكتاب في مجموعة قصص جمعتُ في ثلاث وسائط فنية هي: النقوش الطينية من خلال النحت البارز بالطين أو الفخار، والصور، والنصوص، "وذلك لأعطي صورة مكتملة للمشروع".

وتتابع: "كل صورة من الصور تحمل قصة وحكاية كان والدي يسردها على مسامعي لأتعرف على بلادي وأهلي".

وتلفت إلى مشاعر الحزن التي تنتابها بسبب حياة التشتت والضياع التي يعيشها الفلسطينيين في بقاع الأرض، إذ أجبروا على ترك ممتلكاتهم وأرضهم وذكرياتهم، لتصبح حياتهم وكأنها منفصلة عن الواقع بعد أن كانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، "وقد عبّرت عن ذلك في نصوص تسرد تفاصيل الحياة الفلسطينية قديما".

خطوة على طريق

واعتمدت تماري في كتابتها على ذاكرتها الخاصة، ولكن بعضها احتاج منها إلى بحث واطلاع، كانتقال بعض أهالي مدينة يافا إلى رام الله، وكيف كان شكل تلك المدينة وأجوائها خاصة في فصل الصيف.

وتنبه إلى أن اسم الكتاب ليس مكتملًا بعد لأنه صدر بالنسخة الإنجليزية (Returning)، أما النسخة العربية فستنشرها خلال الأشهر القادمة، وقد بلغت عدد صفحاته 152 صفحة، وهو بمثابة تعبير شخصي ما بين بصري وكتابي، لكنه يشكل جزء من تاريخ فلسطين، وباستعادة تلك الصور العائلية يمكن استعادة شيء من فلسطين، فترى أنه لا بد من السعي للعودة عبر الفنون بأشكالها، والثقافة، والأدب، كل بطريقته ومجال تخصصه، وما يبدع فيه.

وتقول تماري عن تخيلاتها المصورة: "لو لم تحدث النكبة، لاستمرت حياتنا نحن كعائلة في يافا، وغيرنا في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية المحتلة في العام 1948، وهو ما رصدته تخيّلاً في أحد فصول الكتاب، تارة لرجل على الشرفة (البلكون) يدخن سيجارته في الصباح، بينما تحضر امرأة أبناءها على عجل ليتوجهوا إلى مدارسهم، كما ترى والدها يرتدي ما يتناسب لمشاركته في حفلة تنكرية".

كما تحدثت عن جارهم إيرنست أبكاريوس، وحكاياته وأولاده المجهولة، وخرجت بلوحة نحتية نقلاً عن صورة له ولزوجته وابنيه على درج منزلهم في القدس، قبل أن تتمكن من التواصل بعد ما يشبه حالة من فقدان الأمل بالحصول على أي معلومات عنهم، مع شقيقتهم التي تصغرها وتحمل ذات اسمها "فيرا"، والتي زودتها بحكاية عائلتها من حيث باتت تعيش في كندا، بينما كان الجار "إيرنست" ما بعد النكبة، المترجم الرسمي من العربية للإنجليزية والعكس للحكومة الكويتية، فصاغت الحكاية بطريقة أقرب إلى نمط القصة البوليسية.

ويعد هذا العمل الكتابي الأول لتماري التي تتجنب وصف نفسها بالكاتبة، إلا أن النصوص بدت سلسة سعت من خلاله إيصال رسالتها بضرورة جمع التاريخ الفلسطيني، وتعليم الأجيال الجديدة بأن لمدن فلسطين وقراها شعب حي له وجود في تلك الأمكنة هُجّر قسرًا من أرضه وعانى من الخسارة الجغرافية، ومن حقهم معرفة تاريخ وجودهم فوق هذه الأرض لأنها خطوة على طريق العودة.