لا يزال التهديد بحدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة في عام 2023 قائمًا، وتبلغ تقديرات الإجماع حول احتمالية حدوث تراجع ملموس في الاقتصاد الأمريكي في الأشهر الـ 12 المقبلة نحو 65%، وفقًا لأبحاث جولدمان ساكس.
على الرغم من أنّ قطاعات كبيرة من الاقتصاد بما في ذلك سوق العمل والإنفاق الاستهلاكي لا تزال قوية، إلا أنّ هناك مخاوف متزايدة من أنّ ارتفاع تكاليف الاقتراض للمستهلكين والشركات بعد سنوات من أسعار الفائدة القريبة من الصفر يمكن أن تتسبب في انكماش مفاجئ، وبينما يشير المسؤولون إلى أنّ الزيادات الأكثر قوة قد تكون ضرورية لتهدئة الاقتصاد إلا أنّ حالة عدم اليقين المستمرة من جائحة كوفيد 19 وغزو روسيا لأوكرانيا تزيد من حالة عدم الارتياح.
قد يكون الركود الاقتصادي في عام 2023 على الطريق، ومع ذلك، لم يتفق الاقتصاديون على متى ستبدأ أو إلى متى ستستمر، على الرغم من أنّ معظمهم يعتقدون أنها ستكون معتدلة نسبيًّا.
في الواقع، وجد استطلاع أجرته وكالة بلومبيرج أنّ الاقتصاديين يرون أنّ هناك فرصة حدوث بنسبة 70% للركود في 2023 لكن حتى ذلك الحين لم يلتفوا حول رؤية موحدة، ويتوقع معهد ويلز فارجو للاستثمار أن قد تشهد الولايات المتحدة ركودًا كاملًا وانتعاشًا بحلول نهاية العام، فيما يري بنك جولدمان ساكس وجي بي مورجان تشيس أنّ الاقتصاد يخرج من الكدمات قليلًا ولكن سيكون ذلك نسبيًّا، ويقول بنك باركليز كابيتال إنّ عام 2023 سيكون أسوأ اقتصاد عالمي منذ أربعة عقود.
مخاوف الركود: هل لها ما يبررها؟
إنّ حدوث الركود المحتمل في عام 2023 غير معتاد ومن المحتمل أن يكون (إلى حد ما) مقصودًا.
استجابة لارتفاع التضخم خلال النصف الأخير من عام 2021 وحتى عام 2022 بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة بشكل سريع وكبير، تعمل هذه على زيادة تكلفة اقتراض الأموال في مجالات مختلفة من الاقتصاد (مثل الرهون العقارية وبطاقات الائتمان والقروض الشخصية والقروض التجارية وما إلى ذلك).
عندما ترتفع تكاليف الاقتراض تعتمد الشركات والأفراد على الائتمان بشكل أقل، مما يعني أنهم يقومون عمومًا بعمليات شراء أقل أو أصغر، يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب مما يعني أنّ الشركات قد تخفض الأسعار (أو على الأقل تتوقف عن زيادتها) استجابة لذلك وبالتالي تراجع في قيمة أسعار تداول الأسهم الأمريكية ، ولكن من الناحية التاريخية، فإنّ رفع أسعار الفائدة لا يؤدي فقط إلى إبطاء التضخم قليلًا.
معدلات الفائدة ومخاوف الركود
يلاحظ كبير الاقتصاديين في Moody’s Analytics " مارك زاندي" أنه عند ارتفاع التضخم يلجأ البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة من أجل السيطرة عليه، ولكن في النهاية يتعرض الاقتصاد لمزيد من الضغوط.
في سبتمبر 2022 اعترف رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" بأنّ معركة البنك الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم يمكن أن تسبب ركودًا، وعلى الرغم من اعترافه مؤخرًا بأنه يعتقد "أنّ هناك طريقًا إلى هبوط ناعم أو هادئ" إلا أنّ هذه الفرصة "ضاقت".
لتوجيه الاقتصاد الأمريكي إلى معدل التضخم المستهدف 2%، رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل أسعار الفائدة من ما يقرب من الصفر إلى نطاق 4.25% - 4.50% في نهاية عام 2022، ومن المتوقع أن يصل المعدل المستهدف إلى 5% بحلول عام 2024.
وبالفعل، تسرّبت المعدلات المرتفعة إلى الأسواق المختلفة حيث ظل التضخم السنوي ثابتًا حول 7.1%، تُظهر بيانات شهر نوفمبر انخفاض مبيعات المنازل بنسبة تزيد عن 35% في العام الماضي حيث اقتربت معدلات الرهن العقاري لمدة 30 عامًا من 7%.
وعلى الرغم من ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي بشكل عام في الربع الثالث من عام 2022، فإنّ الناس ينفقون بشكل عام أقل على الطعام والمشروبات والمواصلات.
بيانات الوظائف والأجور تُسبّب مزيدًا من الارتباك
إجمالًا، تشير البيانات إلى أنّ الناس بالتأكيد ينفقون أقل بفضل أسعار الفائدة المرتفعة أو التضخم الثابت أو كليهما، ولكن حتى مع تضخم الميزانيات وتقلص معدلات الادّخار فإنّ مخاوف الركود لم تثمر بعد، والسبب واحد وكبير وهو سوق عمل قوي بشكل لا يصدق.
خلال عام 2022 أضاف الاقتصاد 4.5 مليون وظيفة، مع وصول مطالبات البطالة الجديدة إلى مستويات منخفضة تاريخيًّا في ديسمبر، بالإضافة إلى ذلك، ارتفع متوسط الأجور بالساعة إلى 4.6% على أساس سنوي في ديسمبر مقارنة بـ 4.8% المعدل في نوفمبر.
ولكن لكي ينخفض معدل التضخم فمن المُرجّح أن يتغير هذا، فخلال اجتماع شهر ديسمبر توقَّع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أن ترتفع البطالة من حوالي 3.5% الآن إلى 4.6% في عام 2023، وهو ما سيتزامن مع أرقام مستوى الركود، وعلى الرغم من أنّ الأرقام الحالية لا تزال قوية إلا أنّ التصدعات بدأت بالظهور.
بالعودة إلى نوفمبر، أعلنت العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى عن تخفيض إجمالي للوظائف بلغ 51 ألف وظيفة حيث قلّصت الصناعة المتضخمة من الخسائر، كما بدأ التوظيف في التباطؤ، حيث حقّق شهر ديسمبر إضافة نحو 223000 وظيفة جديدة أي ما يزيد قليلًا عن نصف المتوسط الشهري البالغ 400000 الذي شوهد في وقت سابق من العام.
ركود 2023: إلى متى سيستمر؟
في حين أنّ هناك احتمال حدوث ركود يلوح في الأفق منذ شهور، فقد فشل الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن في محاربة التضخم، ناهيك عن التسبب في انكماش اقتصادي كامل.
وحتى إذا كان الركود قاب قوسين أو أدنى، فلا أحد يستطيع أن يقول بشكل قاطع متى سيحدث أو إلى متى سيستمر، لكنّ هذا لم يمنع الاقتصاديين والشركات المالية البارزة من بذل قصارى جهدهم.
فعلي سبيل المثال: لاحظ بنك أوف أمريكا أنّ الركود "لا مفرّ منه" في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، ويتوقع البنك "ركودًا معتدلًا في الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2023"، بينما يري بنك جي بي مورجان أنّ السيناريو الأساسي أنّ الاقتصادات المتقدمة ستقع في ركود معتدل في عام 2023.
هل سينخفض التضخم في عام 2023؟
لقد استغرق تعافي سلاسل التوريد والدافع الانكماشي في قطاع السلع الذي وعدت بتحقيقه وقتًا أطول بكثير من التوقعات، لهذا من المحتمل أن تؤدي هذه العملية المستمرة إلى دفع تضخُّم السلع الأساسية إلى مستوى سلبي في 2023، الأمر الذي يقود معظم الانخفاض في معدل التضخم الأساسي الإجمالي.
هل سيخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال؟
تشير غالبية التوقعات أنّ تقدم اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ثلاث زيادات في سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس خلال فبراير ومارس ومايو، ثم سيحافظ البنك على سعر الفائدة في نطاق 5% - 5.25% حتي نهاية عام 2023، هناك سببان محتملان لخفض سعر فائدة الأموال في المستقبل:
أولًا: هناك شكوك حول ما إذا كان تراجع التضخم المدفوع بالسلع كما تشير التوقعات في عام 2023 كافيًا لإعطاء البنك الاحتياطي الفيدرالي مزيدًا من الثقة بأنّ التضخم يتراجع بوتيرة مستدامة، وهو ما قاله رئيس الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" بأنه معيار الخفض.
ثانيًا: وهو السبب الأكثر ترجيحًا للتخفيض في مرحلة ما هو أنّ الاقتصاد يدخل في حالة ركود أو يهدد بالقيام بذلك دون تخفيف السياسة النقدية.