جمعهم حبّ الطّبيعة، وثقافة البحث في جغرافيا وتضاريس البلاد، فطافوا المدن الفلسطينية بحثًا عن الكهوف وعيون الماء، متنقلين بين أحضانها لاكتشاف أماكن جديدة لم تطأها أقدامهم.
قبل ستة أعوام بدأ "رحال فلسطين" أولى جولاتهم الاستكشافية بالنزول عن مرتفع جبلي كبير في مدينة نابلس، وأخذوا يطورون أدواتهم ومهاراتهم لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الشباب المغامرين الذين يؤمنون بفكرة الاستكشاف والسير في البلاد، وافتراش أرضها والتحاف سمائها لمراقبة ظواهر الطبيعة المختلفة.
تعرف المجموعة نفسها بأنها تطوعية تهتم بالطبيعة واستكشاف الأماكن التاريخية والمحافظة على مكوناتها البيئية النباتية والحيوانية ومحاولة توثيقها، والاهتمام بتوعية المجتمع وإشراكه في حملات إعادة التشجير والتوعية البيئية لبعض المحميات الطبيعية، وتهتم أيضًا بالمكون التراثي والتاريخي لفلسطين.
ويوضح نور مجاهد، أحد الأعضاء المؤسسين للفريق، أن ذلك يتم من خلال رياضة الاستغوار والإنزالات الجبلية، والمسارات والتخييم.
وتتكون مجموعة "رحال فلسطين" من 9 أشخاص دائمين، إلى جانب 140 عضوًا آخرين يشاركون في النشاطات، ولا يتم القبول أي عضو إلا بعد التدقيق والتأكد من احترامه مبادئ المجموعة المتمثلة باحترام الحياة البرية، وإخلاصه للعمل التطوعي.
ونفذت المجموعة العديد من الأعمال التطوعية والمسارات البيئية، كتسيير عدد من المسارات التوعوية في عدد من محميات فلسطين في الضفة الغربية، وإطلاق حملات لتنظيف بعض الأماكن كمحمية واد القف بمشاركة أكثر من 200 شخص من أنحاء الضفة، وتحضير الأكلات التراثية في تلك الأماكن مثل الدبس الخليلي والشراك الشعبي.
ويلفت مجاهد إلى أعمال المجموعة لا تقتصر على ذلك، بل يشاركون في إخماد الحرائق، ومراقبة الحياة النباتية في المحميات وتوثيقها، وزيادة الوعي اتجاهها.
ويوضح أن رياضة الاستغوار، عبارة عن نشاط رياضي يهدف إلى بحث وتعيين واكتشاف ورسم خرائط المغارات والكهوف لجوف الأرض وكيفية تركيبها، بدايتها، الخواص الفيزيائية والتاريخية، وأشكال الحياة، المراحل، والتغيرات التي مرت بها وتكونت عبر الزمن، ثم مشاركة هذه المعرفة مع الآخرين.
وإذ يلفت مجاهد إلى أنهم لا يقومون بكل هذه الأعمال، يقول إنهم يمارسون رياضة الاستغوار بدافع ترفيهي استكشافي إلى جانب العناية البيئة بالأماكن التي يضعون أقدامهم عليها بقدر استطاعتهم.
ويبين أن هذه الرياضة تحتاج إلى قوة بدنية ولياقة هائلة وجرأة وتجهيزات معينة من ملابس ومعدات أمان، "لا سيما أن هناك كهوفًا تتطلب ارتداء خوذة الرأس وأضواء كاشفة للزحف والدخول إلى أماكن صعبة وضيقة".
كما تتطلب بعض المهام الحبال وأدوات الصعود والهبوط والملابس المضادة للماء، وأحذية تتحمل الطين والرطوبة، ملفتة إلى أن بعض الكهوف يضطرون إلى النزول إليها عبر فتحات وشقوق صخرية قد تكون خطرة جدًا.
وبين أن المجموعة تشجع المجتمع على ممارسة رياضة الإنزالات الجبلية والاستغوار، "وقد اكتشفنا مغارة خريطون وتعمقنا بداخلها، وهي أطول مغارة في فلسطين بطول 4 كيلومترات".
وتقع المغارة في وادي القديس خريطون على بعد كيلومترين شرق جبل هيرودوس، وقد سُمّي الوادي باسم القديس خريطون الذي كان ناسكا، وأحد مؤسسي الحياة الرهبانيّة في بريّة القدس. وفي عام ثلاثمئة وثلاثين ميلادي أسَّس أوّل مغارة، وتدعى "فاران"، في وادي القلط (عين فارة).
قطعة من الجنة
وعن محمية وادي القفّ بمحاذاة مدينة الخليل على بعد 6 كم، فيقول مجاهد إنها تبدو مثل قطعة من الجنة، بأشجارها الكثيفة التي تغطي سماءها وتزين أرضها.
وتمتد أراضي المحمية على 4600 دونم، وتبلغ مساحة المنطقة المزروعة منها بالأشجار الحرجية نحو 2800 دونم، بحسب تقديرات وزارة الزراعة الفلسطينية.
وتحيط بالمحمية عدة قرى فلسطينية تتلاصق بها، فمن الشمال الشرقي بلدة بيت كاحل، ومن الغرب بلدة ترقوميا وبلدة بيت أولا، ومن الجنوب الشرقي أراضي مدينة الخليل.
ويمضي مجاهد إلى القول إن أرضية المحمية تكسوها الكثير من الصخور الكلسية، إلا أن هذه الصخور المتناثرة تحتضن أحواضًا ترابية حمراء ممتدة تحافظ على الماء في الشتاء؛ فتنبت بينها الكثير من الأعشاب البرية والأزهار الجميلة، إضافة إلى انتشار الكثير من النباتات الطبية مثل الميرمية والزعتر البلدي والبابونج والجعدة وعصاة الراعي والشيح.
وتطرق مجاهد للحديث عن العقبات التي تواجههم وتتمثل في صعوبة التنقل بين الضفة والداخل مع كامل الفريق بسبب إجراءات الاحتلال، وعدم تلقي الفريق أي نوع من الاهتمام سواء من المؤسسات الرسمية والوزارات مثل وزارة الرياضة والشباب.
ويلفت إلى أدوات رياضة الاستغوار مكلفة وقد يصل ثمنها للشخص الواحد حوالي 6000 شيقل.
وتتطلع مجموعة رحال فلسطين الحصول على شهادات عالمية في رياضات الإنزال والتسلق والمشاركة في فعاليات عالمية