فلسطين أون لاين

معزول منذ أكثر من 15 عامًا

تقرير العزل الانفرادي المتواصل يفتك بجسد الأسير خليل ونفسيته

...
العزل الانفرادي المتواصل يفتك بجسد الأسير خليل ونفسيته
رام الله/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

تتلاشى الحدود بين الأيام والساعات، ويمر الوقت بطيئاً ثقيلاً دون أن يحمل جديداً أو يبحث صاحبه عن مستجدات، فلم يعد شيءٌ في الخارج يهمه أو يغريه بالسؤال عنه، بعد أن اعتاد الوحدة والعزلة لأكثر من خمسة عشر عاماً متواصلة، مع وجود سجان واحتلال لا يرحمان ولا يعرفان للإنسانية طريقاً.

وضع صعب

فمنذ اعتقال الاحتلال الإسرائيلي للأسير "محمد جبريل خليل" في 2006م انقلبت حياة أسرته رأساً على عقب، خاصةً بعد الحكم القاسي الذي أوقعه بحقه وهو "مؤبد، وخمسة وعشرون عاماً".

وما زاد ألم العائلة أن الاحتلال وضع نصب عينيه تدمير نفسية "محمد"، بفرض العزل الانفرادي عليه مدة زادت على الخمسة عشر عاماً لم يتخللها خروجه للزنازين مع الأسرى سوى أشهر قليلة، يقول شقيقه عيسى: "لقد كان شاباً في مقتبل عمره، اجتماعياً لدرجة كبيرة، أما الآن فهو يعاني أوضاعا نفسية بالغة الصعوبة".

ويضيف: "أخي لا يعرف أحداً سوى مَنْ تركهم خلفه، عندما نزوره لا يوجد ما يحدثنا به، فهو لا يرى أحداً، يسألنا فقط عمن كان يعرفهم قبل الاعتقال، والقليل منهم ممن تبقى على قيد الحياة، الأيام بالنسبة له تشبه بعضها، وذاكرته آخذة في التضاؤل شيئاً فشيئاً".

وطأة السجن

وقد زاد وطأة التعب النفسي لدى محمد – وفقاً لعيسى- فقدانه والديه، فقد توفيت أمه التي كانت زيارتها له تخفف عنه وطأة السجن والعزلة، والجدران الأربعة التي لا يرى غيرها منذ اعتقاله إلا نادراً.

ويتابع خليل: “كان لوفاتها بعد اعتقاله بسنوات قليلة أثر نفسي صعب في محمد، وإدارة السجون كانت تمعن في التنكيل به فلم تنتظر زيارتنا له لنخبره بالأمر، بل أخبروه بوفاتها وهو في معزله دون أن يجد من يشاركه حزنه".

ومضى بالقول:" وكذلك فعلوا الأمر ذاته عند وفاة الوالد في 2019م الذي كان يمثل "السند" له في غياب الوالدة، إنهم يتلاعبون به وبنفسيته وبأعصابه، يفعلون كل ما يمكنهم لتدميرها أكثر، ونحن هنا (ستة أشقاء وشقيقتان) لا يوجد ما بيدنا لنفعله له سوى أنْ نزوره وقتما يسمحون لنا بالزيارة".

فـ"عيسى" محرومٌ من زيارة شقيقه منذ أكثر من ثلاثة أعوام بزعم "الرفض الأمني" ويتلمس أخباره من أشقائه الذين يزورونه، يقول:" كبر أبناؤنا وهم يتمنون زيارة عمهم ولكن الاحتلال لا يسمح لهم بزيارته ولا يعدهم أقارب من الدرجة الأولى".

ويشعر بالقلق على صحة شقيقه الذي يعاني أيضاً مرض السكري في غياب العناية الطبية في سجون الاحتلال، "لقد اجتمعت عليه الأمراض الجسدية والنفسية".

ويلفت إلى أن شقيقه يعيش في حالة مريرة في العزل الانفرادي في سجن "ريمونيم" حالياً، ومُراقب بالكاميرات طوال الوقت،" في السابق كانوا يخضعونه لمحكمة لتجديد قرار العزل لكن الآن أصبحوا يجددونه تلقائياً".

يشعر بالغربة

في حين تشعر تمام خليل "زوجة والد محمد" بالأسى على وضعه، فقد اعتادت زيارته منذ اقترانها بوالده في عام 2012م، "تزوجتُ والده بعد أن توفيت أمه، واعتبرته ابناً لي، لم أترك زيارة برفقة والده إلا وذهبتُ للتخفيف عنه".

وتتابع:" وبعد وفاة والده لم أتركه فحالته النفسية السيئة وانعزاله عن الناس، ورؤيته وهو في حالة يُرثى لها رغم أنه في "عز شبابه" تؤلم قلبي كثيراً، أشعر أن من واجبي الذهاب لزيارته والتخفيف عنه".

وتشير خليل إلى أنها دائماً ما تطلب منه أن يطالب إدارة السجن بالنقل للزنازين العادية، لكنه يرفض ذلك تماماً، "يقول لي إنه يشعر أنه غريبٌ وسط الأسرى، ولا يستطيع التعامل مع الناس، يخاف من كل الناس حوله".

وتضيف:" لقد حصل على الشهادة الثانوية في الأسر، أشجعه على استكمال دراسته الجامعية لكنه لا يشعر بجدوى التعليم في الوضع النفسي الصعب الذي يعيشه".

ظروف اعتقالية

وتعبر خليل عن اعتقادها بأن الظروف الاعتقالية التي يقبع فيها الأسرى في سجون الاحتلال قاسية بكل معنى الكلمة، " فـ"محمد" ضحية لتلك الإجراءات الظالمة، التي حولته من شاب مفعم بالحياة إلأى إنسان لا يعرف أحداً".

وتردف بالقول:" بلغ بهم الظلم مبلغه، فقد طلب مني أن أُدخل له مصحفاً فهو لا يأنس في وحدته سوى بقراءة القرآن، لكنهم رفضوا إدخاله، بزعم أن وزنه ثقيل، لقد وقفتُ عاجزة عن تلبية طلبٍ بسيط له، فكيف يمكن أن نساعده على التحسن؟ ليس باليد حيلة".

وأكثر ما يؤلم "تمام" أن إصابتها بالسرطان تُقعدها عن زيارة "محمد" بشكل دوري، " فمثلاً في فصل الشتاء لا يسمح لي الأطباء بزيارته وكذلك في الأوقات التي يكون لدي فيها فحوصات وجرعات "كيماوي"، أخشى أن أموت دون أن أطمئن عليه وهو حرٌ خارج المعتقل".