فلسطين أون لاين

في محله الصغير بمدينة "نابلس"

حِمو.. يُحافظ على الطابع التراثي للبلدة القديمة بـ"الجرامافون"

...
جمال حمو
نابلس-غزة/ هدى الدلو:

في البلدة القديمة لـ"نابلس"، يضع الخمسيني جمال حمو جهازه الموسيقي الجرامافون "البوق" بسماعته النحاسية الكبيرة أمام باب محله الصغير في حركةٍ تجذب أعين المارة لهذا الجهاز القديم الذي يتجاوز عمره 120 عاماً.

يعشق التراث

فمنذ ثمانية عشر عامًا يعمل حمو داخل محله المعروف باسم "أبو شادي حمو للتراث القديم" لتصليح وصيانة الأجهزة التراثية القديمة، وبيع الأسطوانات القديمة لمطربين عرب، فيطرب المارة بالأغاني والأناشيد الوطنية التي يُسمعها لهم بصوت مرتفع.

النابلسي حمو الذي يهوى كل شيء قديم ويعشق التراث، يقول لصحيفة "فلسطين": "منذ أن حصلتُ على دورة متخصصة في صيانة وتصليح الأجهزة الإلكترونية وافتتاحي لهذا المحل الصغير وأنا أعشق عملي، أغلق أبوابه في نهاية ساعات النهار منتظرًا بزوغ يوم جديد لأفتح أبوابه مجدداً".

ويضيف: "عملي تراث جميل وحضارة، لا أريد أن يفقدها العالم يومًا ما، خاصة أنني أبيع الأسطوانات القديمة باختلاف مواد صنعها التي كانت تستخدم لجهاز الجرامافون (أول جهاز في العالم استخدم لتسجيل واستعادة الصوت، وهو صندوق خشبي عليه بوق نحاسي كبير)، فالشركة المتخصصة في إنتاجها أغلقت أبوابها منذ 35 عامًا".

وفي محله الذي يكتسب مكانته أيضًا من موقعه في البلدة القديمة الذي يصفه بـ"الحيوي"، يوجد جهاز "الجرامافون" الألماني الذي يبلغ عمره 120 عامًا، وآخر من نوع هندي وعمره ستون عامًا، ولكن بمجرد تشغيل أحد الجهازين تشعر كأن الزمن يعود بك 50 عامًا إلى الوراء.

ويوجد بجانب "الجرامافون" أجهزة أخرى للصوت وراديو وسماعات قديمة وقطع للصيانة، مشيرًا إلى أن المواطنين من جميع مدن الضفة الغربية يقصدونه لإصلاح أعطال أجهزتهم القديمة.

ويوضح حمو أن قطع الغيار الخاصة بمثل تلك الأجهزة نادرة، وبصعوبة يتم توفيرها، حتى أن مَنْ يمكنهم تصليحها وصيانتها يعدون على الأصابع، ولذلك يتمسك بعمله حتى هذا اليوم "كل شيء قديم بموت عليه، بيرجعني للذكريات الحلوة اللي عاشها أجدادنا، للتراث القديم، وأنا بربط الجيل الجديد فيه".

ويستذكر أنه في الماضي عندما كان يذاع خطاب لأحد المسئولين العرب كان الجميع يغلق محلاته التجارية ويذهب للاستماع له عبر "الجرامافون" الذي كانت أجهزته تُعد على الأصابع.

منع الاندثار

واليوم عندما تصدح السماعات من محل "حمو" بـقصيدة "أخي جاوز الظالمون المدى" يجد أن أصحاب محلات البلدة القديمة والمارة يتجمعون حوله، منهم من تخذله دموعه، وآخر تبدو عليه ملامح شرود ذهنه، يصمت حمو ثم يقول: "إن شاء الله برجع مجدنا وهداة بالنا".

وإلى جانب عمله الأول بالصيانة وبيع الأسطوانات يقوم خلال شهر رمضان بصناعة العصائر الطبيعية وبيعها، ولجوؤه لهذا العمل نابع من رغبته وحبه الحفاظ على الأجواء الجميلة في البلدة القديمة التي يعمل معظم أهلها بالحرف اليدوية وصناعة الأطعمة الشعبية.

ويتابع حمو حديثه: "عند قدوم شهر رمضان المبارك تعمل غالبية المحلات التجارية في بيع المشروبات الطبيعية والقطايف والمخللات والحمص والفلافل والكنافة النابلسية ويقبل الناس على شرائها، فهي من العادات القديمة عند أهالي نابلس، وذلك بسبب الأجواء الخاصة في هذه المدينة وعادات سكانها التي تتشابه مع عادات مدينة دمشق، حتى أنني أرتدي الزي السوري في أثناء بيعي العصائر".

ومن أكثر أنواع العصائر التي يقدم على صناعتها وبيعها في هذا الشهر عصير الجزر والشمندر والزنجبيل.

ويحاول حمو وغيره من أصحاب المحلات في البلدة القديمة الحفاظ على المظاهر الدينية والتراثية في شهر رمضان وغيره من الشهور، رغم الظروف والإجراءات التي تنغص عليهم حياتهم، وعدم اقتناع الجيل الجديد ببعض المقتنيات القديمة في ظل مواكبتهم التطور التكنولوجي، متمنيًا أن يتمكن أحد أبنائه من إتقان مهنته ليرثها من خلفه منعًا من اندثار تلك الآلات التراثية، وللحفاظ عليها.