قائمة الموقع

بوردة وفرحة سرقها الاحتلال.. "آية" استقبلت أمها المحررة "شروق البدن"

2023-02-05T13:08:00+02:00
الأسيرة المحررة شروق البدن

ترسمُ ملامح وجهها فرحة غابت عنها أربعة عشر شهرًا؛ وقفت الطفلة "آية" ابنة الأعوام الخمسة على باب منزلها تمسكُ بيدها وردة حمراء جلبتها من بساتين قريتها، يصطف أطفال الجيران على جانبي مدخل المنزل الواقع في بلدة "تقوع" شرق الخليل يمسكون ورودًا مثلها، يشاركوها فرحة استقبال والدتها شروق البدن (28 عامًا)، التي تنسمت الحرية الخميس الماضي، مودعة سجون الاحتلال بعد اعتقالها أكثر من عام.

لأول مرة عانقت "آية" والدتها، بعدما ذاقت مرارة العيش وحيدة وبعيدة عن دفء حنانها وحضنها، ومرحلة قاسية مرَّت فيها الطفلة بأيام ومناسبات كالعيد وبدء دراستها في الصف "الأول" الابتدائي ولحظات تمنت أن تكون والدتها قربها.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يُحول أسيرة ثالثة للاعتقال الاداري

لم يكن الاعتقال الأخير هو الأول لوالدتها، فاعتقل الاحتلال المحررة البدن في 8 ديسمبر/ كانون أول 2021، على الرغم أنه لم يمضِ على إطلاق سراحها من سجون الاحتلال حينه سوى 6 أشهر بعد اعتقال إداري استمر 8 أشهر، وكذلك اعتقلت في يوليو/ تموز 2019 مدة عام.

معانقة معزولة

تشعر بثقل وجع الحرمان في ثنايا صوت المحررة "البدن"، وهي تعود بذاكرتها لصحيفة "فلسطين" إلى لحظة الاعتقال: "كانت صعبة علي وعلى طفلتي، بأن ذهبت إلى المدرسة في الصف الأول بدون رؤيتي لها، لم أنسَ لحظة زيارتها لي بعد مرور أربعة أشهر من اعتقالي الأخير، قالت لي من خلف الزجاج وهي تمسك بسماعة الهاتف: "بدي أدخل عندك، خليني أشوفك وأحضنك بعدين يطلعوني".

لم تفهم الطفلة المشتاقة لوالدتها قوانين سجون الاحتلال، على الرغم من أن والدتها اعتقلت عدة مرات سابقة، فعادت "مكسورة الخاطر" على الرغم مما قالته لها أمها قبل مغادرتها: "أيام وبتعدي وراح تكوني بحضني".

بعد انتظار عدة أشهر أخرى، زارت الطفلة والدتها، يعود صوت البدن إلى تلك اللحظة: "سمح الاحتلال لها بالدخول عندي عشر دقائق وعانقتني بحرارة، لكنها رفضت الخروج والابتعاد عن حضني، وقالت ببراءة: "ماما يلا روحي معي" وبعدما فهمت وضعي، طلبت أن تبقى معي بداخل السجن".

مثل المرة السابقة، خرجت الطفلة بـ"كسر جديد"، تمسح جدتها المرافقة لها دموعها، ومن خلف الزجاج العازل يعتصر قلب أمها التي أخبرتها أن "السجن ليس مكانًا يناسب طفلة جميلة مثلك" من شدة القهر.

وعلى الرغم من أن المحررة البدن تصف الإفراج عنها مثل "الخروج من قبر ولحظات فرح لا يمكن التعبير عنها"، إلا أنها خرجت بغصة كبيرة كونها عزلت في سجن "الدامون" مدة ثلاثة أيام، ولم تستطع وداع الأسيرات.

اعتداء على الأسيرات

عاشت البدن، تفاصيل اعتداء قوات الاحتلال على قسم الأسيرات بسجن "الدامون" عن كثب، يحرك صوتها تفاصيل لحظات دامية عاشتها برفقة 27 أسيرة في نفس السجن، تروي: "بدأت القصة بعدما عثر السجانون على قطعة "خشبية" صغيرة، عدوها "غريبة" وعلى أثرها استدعوا قوات خاصة (اليمام)".

في جو ماطر، اقتحمت القواتُ الخاصة القسم، وقاموا بإغراق غرف الأسيرات بالمياه، يمتزج صوتها بالقهر وهي تتوقف عند الاعتداء: "طلبوا تفتيش غرف رقم: (2، 11، 9)، وبعد الانتهاء من تفتيشها، عادوا إلى تفتيش كل غرف القسم، وعزلوا الأسيرة ياسمين شعبان".

بالطرق على الأبواب باستخدام أواني الطهي، اعترضت الأسيرات على اعتقال زميلتهن، فعتدت القوات الخاصة عليهن: "البداية رشونا بالمياه على الرغم من أن أجسادنا مبتلة من المطر، خاصة أن أجواء السجن كلها باردة، ثم تعرضنا للضرب المبرح، وكانت في أيديهم ما يشبه السلاسل، وهناك أسيرات صعقن بالكهرباء.. لم تتمالك الأسيرات أنفسهن، فقامت إحداهن بإشعال حريق طفيف، تراجع على أثره الاحتلال"، يمتزج صوتها بالغضب.

اقرأ أيضاً: أسيرة تعاني ظروف اعتقال سيئة وإهمالًا طبيًا داخل سجون الاحتلال

انتهى الهجوم بنقل الأسيرة البدن برفقة خمس أسيرات إلى العزل الانفرادي بعد تقييدهن، قبل أن تنتهي مدة محكوميتها الخميس الماضي، لكن البدن تؤكد أن الأسيرات "سيدخلن في إضراب عن الطعام إذا استمر القمع ضدهن في سجون الاحتلال".

بذريعة "تشكيل خطر على الأمن" يسلط الاحتلال هذه التهمة الجاهزة، لحرمان الطفلة "آية" من والدتها، كما لا تفهم المحررة نفسها استمرار هذه السياسة، المرافقة لاقتحام بلدتها وبيتها باستمرار، كان آخرها تهديدها من أحد "الضباط بأنها ستمضي حياتها في داخل السجن أكثر من خارجه".

بصوت مثقل بمرارة أربع سنوات من الاعتقال، تعلق: "أحاول الابتعاد عنهم في كل مرة يدخلون فيها للسجن، لكنهم يزرعون في رأسهم أنني أشكلُ خطرًا ولا أعرف عن أي خطر يتحدثون".

تربية في الكبر

جعل الاحتلال الحاجة "أم أيمن (والدة المحررة البدن)" تعود إلى حياة تربية الأطفال التي تركتها منذ أن كبر أصغر أبنائها وأصبح شابًا، تخرج كلمات من قلب صابر قائلة: "تعودنا على الصدمات، وإرادتنا قوية وأقوى من كل شيء نواجهه من مصاعب الحياة، سنبقى واقفين".

مع ما عاشته المحررة البدن في كل زيارة لطفلتها لها، كانت أمها في الخارج تعيش تفاصيلاً أخرى، يحضرها لهفة حفيدتها قبل يوم من الزيارة، وكأنها ذاهبة إلى العيد: "كانت تفتح خزانتها وترتدي الثوب الفلسطيني والشال، كما فعلت في أول زيارة في اعتقال أمها الأخير؛ لكني رفضت ارتدائها خوفًا عليها من البرد".

كان السجن "شبحًا" للطفلة التي يرعبها شكل السجانين، ودائمًا تسأل جدتها: "ليش ما بلاقي أمي بالبيت، بديش أشوفها بالسجن"، إضافة إلى تكرار السؤال عن موعد عودة أمها وحريتها، ما أثر على نفسية الطفلة وتحصيلها الدراسي.

اقرأ أيضاً: بيوم المرأة الفلسطينية .. أكثر من 30 أسيرة بسجون الاحتلال

اضطرت الجدة التي لا تسعفها صحتها، ولم تعد قدماها تحملانها لنقل الطفلة إلى الروضة أو انتظار الحافلة صباح كل يوم، إلى عدم إرسالها للروضة، والاكتفاء بتسجيلها بالمدرسة، وهو ما أثر على مستواها الدراسي.

لم تعش هذه المسنة، أجمل من فرحة سعادة آية بحرية أمها، تقفز صورتها أمامها، بصوتٍ مبتسم: "جالت بيوت صديقاتها، تنادي بصوت عالٍ: "بكرا ماما مروحة"، وتعطي لكل طفلة وردة حتى يشاركنها في استقبال أمها.

اخبار ذات صلة