تحركات سياسية ودبلوماسية، وتصريحات على أعلى المستويات تشهدها المنطقة في الأيام الأخيرة، ولا سيما بعد عملية القدس البطولية التي نفذها المقدسي خيري علقم، التي رد فيها على مجزرة جنين، واتضحت في أعقابها الازدواجية التي تتعامل بها الولايات المتحدة وبعض الأطراف، إذ سارعت إلى إدانة عملية القدس، وصمتت على المجازر المتتالية في جنين ونابلس، واقتحامات المسجد الأقصى، والتصريحات العنصرية لحكومة المستوطنين وبن غفير وسموتريتش.
ثلاثة مسؤولين أمريكيين زاروا المنطقة المدة الماضية، على رأسهم وزير الخارجية بلينكن، وسبقه رئيس الأمن القومي، وعقدت لقاءات إقليمية تركز عنوانها الرئيس على كيفية ما يسمونها تهدئة الأوضاع في الضفة الغربية، وهو في الحقيقة تعبير عن حالة القلق التي أحدثتها الحالة الثورية المتصاعدة منذ معركة سيف القدس عام 2021، وخشية تلك الأطراف من اندلاع معركة سيف القدس 2، التي يتوقع الجميع اندلاعها مع قرب شهر رمضان، الذي يتحضر فيه المستوطنون للقيام بعمليات اقتحام وتدنيس للأقصى، وكذلك تنفيذ الحكومة الصهيونية الحالية تهديداتها ضد الفلسطينيين، وخاصة السيطرة على الضفة الغربية، وإعادة احتلالها كاملة، إضافة إلى إقرار قوانين لتوسعة الاستيطان، وتنفيذ إعدامات ضد الأسرى في سجون الاحتلال.
التحرك الذي تشهده المنطقة يركز على عدة قضايا يحاولون إنجازها، وامتصاص حالة الهيجان المسعورة المصابة بها حكومة الاحتلال، أهمها: ضمان أمن الاحتلال من شن هجمات نوعية كما حدث في عملية القدس التي فضحت الاحتلال، وكشفت أمنه المزعوم، وعودة الشباب الفلسطيني إلى تنفيذ عمليات نوعية تؤلم الاحتلال، كذلك تعمل تلك الجهود على وأد الانتفاضة في الضفة، ووضع حد لإمكانية تصاعدها، اعتقادًا منهم أن ما يحدث هو تحول إستراتيجي، سيقود نحو فقدان السلطة سيطرتها على الضفة الغربية، وعليه، نمو وتصاعد العمل المقاوم، وانهيار منظومة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وبالنتيجة سيؤدي إلى انهيار السلطة التي تقوم بدور وظيفي مهم لصالح الاحتلال، ولسياسة الاحتواء التي تتبعها الولايات المتحدة.
من ضمن ما تهدف إليه تلك الأطراف احتواء الأوضاع في غزة القابلة للانفجار، ومنع اندلاع مواجهة عنيفة بين المقاومة والاحتلال، في رد منها على سياسات الاحتلال الإجرامية في الضفة الغربية، والقدس، وضد الأسرى، وفي الداخل المحتل عام 1948، إضافة إلى تعطل المفاوضات في ملف تبادل الأسرى، الذي ترى المقاومة في غزة أنها مضطرة إلى تنفيذ عمليات أسر للجنود والمستوطنين، في سبيل الإفراج عن الآلاف من الأسرى في سجون الاحتلال، وأن وجود 4 جنود لديها لم يجبر الاحتلال على دفع الثمن لإتمام الصفقة، وهو موقف مشروع لكتائب القسام، ومدعومة بمطالب شعبية واسعة في سبيل ذلك، مهما كانت النتائج.
المتأمل في التجارب السابقة للتدخل الأمريكي والوسطاء يرى أن الجهود ستفشل في احتواء الموقف، وكذلك في تحقيق الهدف المرجو بوأد الانتفاضة، وهو ما حدث على مدار 20 عامًا مضت، في انتفاضة الأقصى عبر عشرات المبادرات الإقليمية والأمريكية، التي فشلت في النيل من المقاومة، وذهبت تلك المبادرات في مهب الريح، وانهارت مع أول عملية للمقاومة، التي قد انطلقت في الضفة، وفشلت السلطة في احتوائها، وفشل الاحتلال في إنهائها.