تناقلت بعض وسائل الإعلام العبرية مؤخرًا خبرًا حول نية حركة حماس المبادرة إلى تنفيذ (عملية كبرى) في غلاف قطاع غزة، تستهدف اختطاف جنود إسرائيليين، وزعمت هذه المواقع بأن كلًا من رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري قد اتخذا قرارًا بذلك، وأن حركة حماس تجهزت لتنفيذ هذه العملية، لكنها تنتظر الوقت المناسب للمبادرة بالهجوم، دون الالتفات لأي عواقب حتى لو كانت مدمرة، الأمر الذي يفتح باب التساؤل حول غرض الاحتلال من وراء هذه الموجة من التحريض في هذا التوقيت بالذات؟ وسبب التركيز على قيادات بعينها تقيم في الخارج الآن؟
يمكن القول: إن الأهداف الصهيونية ظاهرة، وغرض الاحتلال من وراء هذه الموجة من التحريض، والتي تركزت في استهداف شخصيات قيادية تقيم في الخارج، تحديدًا ( هنية، والعاروري) واضحة جليًا، بمعنى أن الاحتلال يرفع سقف التحريض، ويحاول ممارسة ضغوط إضافية على قيادة الحركة في الخارج، ووضع قيود إضافية على تحركاتهم، ويسعى إلى إحراج الدول التي تستضيف قيادات الحركة، ويقوم بابتزازها أمام العالم، تحت مزاعم عدة، أبرزها: أنها تسمح باستضافة قيادات حمساوية تمارس مهامًا وأعمالًا تأخذ صفة الطابع العسكري، سواء من ناحية( التمويل، أو الإشراف، أو التوجيه) وما شابه.
وفي سياق آخر يحاول الاحتلال إضفاء مشروعية، ووضع مبررات لأي خطوة باتجاه (الاغتيالات، أو شن عدوان على القطاع) تحت ذريعة دفع مخاطر وشيكة، ومنع عملية كبرى محتملة تستهدف اختطاف جنوده، وأيضًا هو يحاول من وراء ذلك استثمار هذه الأخبار في تسويق نصر استخباري وهمي لجبهته الداخلية، لرفع أسهم المؤسسة الأمنية بعد أن تراجعت حظوظها بعد الإخفاقات الأمنية المتكررة في مواجهة العمليات السابقة التي انطلقت من غزة والضفة والقدس وال48، والاستعراض بأن هذه المؤسسة باتت تمتلك معلومات كافية عن نوايا وتحركات حركة حماس، وجناحها العسكري كتائب القسام.
ويحرص الاحتلال في ذات السياق على خفض مستوى التوتر في قطاع غزة، ومنع اندلاع جولة جديدة من القتال، لإدراكه تداعيات أي تصعيد عسكري محتمل، لذلك يرغب في تحريك الوسطاء لتثبيت حالة الهدوء، والحصول على ضمانات جديدة بأن لا تقوم الحركة بأي هجوم من قطاع غزة، وفي ذات الوقت التلويح و(التهديد بالثمن) بأنه سيكون مدمرًا، وذلك في محاولة لردع الحركة عن أي توجه في أي سياق مشابه، لقناعته بأن حركة حماس لن تتوقف عن جهودها الرامية إلى تحرير الأسرى عبر عمليات اختطاف جديدة.
لذلك أعلن وعبر وسائله الإعلامية المختلفة، ولم يخفِ تقديراته بخصوص قطاع غزة، فهو معني بإطلاع جمهوره، لتهيئة الجبهة الداخلية لأي تطورات أو أحداث مفاجئة وغير مألوفة، ويرغب في رفع مستوى اليقظة والاستعداد لدى الجيش في غلاف قطاع غزة، لأن انعكاسات أي عملية اختطاف جديدة للجنود ستكون بمثابة كارثة للجيش، وانتكاسة كبيرة تلحق به وبقيادته، وستجعل المستوى السياسي للاحتلال أمام خيارات صعبة جدًا ومؤلمة، وستدفعه إلى تقديم ثمن أكبر في أي صفقة تبادل قادمة مع حركة حماس.
ويمكن القول: إن حركة حماس لن تتردد في اتخاذ أي (قرار إستراتيجي) من شأنه أن يؤدي إلى تحرير الأسرى، بما فيها المبادرة إلى تنفيذ عملية أسر جديدة، وهذا ليس سرًا، وقد ورد الأمر على لسان قيادات "سياسية وعسكرية" في عدد من المناسبات، كما أن الحركة تؤمن تمامًا بأن عمليات الأسر هي الطريق الأمثل والوحيد إلى تحرير الأسرى، وأن أي خيارات أخرى لن تكون مجدية.