يذوب قلب منى أبو صلاح شوقًا لرؤية ولديها المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ يرفض الاحتلال السماح لها بزيارتهما منذ سبعة أعوامٍ خلت، وهي تتوق شوقًا لرؤية ملامح وجهيهما والاطمئنان إلى حالهما، فتمر عليها الأيام ثقيلة مريرة وهي تقدم للزيارة الشهر تلو الآخر فتُجابه بالرفض الإسرائيلي.
بدأت معاناة أبو صلاح مع الاعتقالات منذ ارتباطها بزوجها أسعد أبو صلاح الذي اعتقل عدة مرات، فكانت مسؤولية البيت والأبناء على عاتقها، وما إن كبروا وشبوا حتى اعتقل الاحتلال زوجها واثنين من أبنائها دفعة واحدة.
ففي الثامن عشر من مارس لعام 2008م، داهمت قوات الاحتلال بيت أبو صلاح واعتقلته وابنيه "فهمي" و"صلاح"، وحكم عليه بالسجن 25 عامًا، في حين حكم على "فهمي" بالسجن 22 عامًا، و"صلاح" 15 عامًا، "أضيف إلى محكوميته عامان للعثور على هاتف نقال بحوزته".
ترك أبو صلاح خلفه زوجته وابنته التي لم تتجاوز حينها الأربعين يومًا من عمرها، ما زاد ثقل المسؤولية عليها، غير أن الفرج أتى سريعًا بعد عامين، إذ نال حريته ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، لكن قلبي الأبوين بقيا معلقين في السجون حيث يقبع ابناهما.
تقول: "زوجي ظلَّ مدة طويلة غير قادر على التعايش مع الوضع الجديد، فقد كان يقول لنا أنا معكم جسدًا، لكن روحي هناك في سجن النقب".
وتشير إلى أن زوجها قضى أسعد أوقات اعتقاله وهو بين ابنيه الاثنين معًا في زنزانة واحدة، "تقاسموا ألم الاعتقال والتحقيق وقسوة الحياة في السجن، وكما كان الإفراج عنه شيئًا سارًّا له كان بالقدر ذاته مؤلمًا، إذ ترك فلذتي كبده في عتمة الزنزانة، وهو موقنٌ بأنه لن يتمكن من زيارتهما مجددًا إلا عند الإفراج عنهما، لكونه أسيرًا محررًا".
سوء المعاملة
ظلَّت منى تعاني ألم فراق ابنيها ومعاناة صعوبة زيارتهما، إذ منع أهالي أسرى قطاع غزة من زيارة أبنائهم بين عامي 2008 و2014، ثم استؤنف برنامج الزيارات بموجب اتفاق وقع بين قيادة الحركة الأسيرة وإدارة سجون بعد معركة الأمعاء الخاوية "سنحيا كرامًا".
وتقول منى: "حتى عندما يسمحون لنا بالزيارة نتجشم عناء الرحلة الطويلة، وسوء معاملة جيش الاحتلال وتفتيشه المتكرر لنا. كما لا نتمكن من لمس أبنائنا، إذ يفصل بيننا حاجز زجاجي، لكن كل ذلك يهون عند رؤيتهم والاطمئنان إليهم".
ومنذ 11 يونيو/ حزيران أصبحت تلك الزيارة الشاقة حلمًا لـ"منى"، إذ تحرم من زيارة أبنائها في إثر مشادة كلامية حدثت بيني وبين والد الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة "شاؤول أرون"، إذ كان ضمن تظاهرة على باب السجن تحمل لافتات "لن تروا أبناءكم حتى نعرف مصير أبنائنا".
وتتابع بالقول: "اعتُدي عليَّ بالضرب بعصا كان يحملها، فانتزعتها منه وضربته بها، منذ ذلك الحين، وأنا ممنوعة من زيارة أبنائي، رغم أنني أقدم لتصريح الزيارة في كل شهر".
وتترقب "منى" بفارغ الصبر الأخبار التي تَرِدُها من أهالي الأسرى الذين يزورون أبناءهم، "لكن قلبي ليس مطمئنًا، وأخشى أن أبنائي لا يريدون فقط أن يقلقوني عليهم، قلبي يغلي كالنار شوقًا لهم".
وتلفت إلى أن ابنها "فهمي" يعاني مشكلات صحية في الكليتين نتيجة إضرابه عن الطعام في مرات سابقة، على حين يعاني "صلاح" مشكلات في القدمين.
ولم تستطِع منى أن تحتفل مؤخرًا بعيد ميلاد حفيديها "منى وأسعد"، متسائلة: "كيف لي أن أحتفل ومنى قد تركها والدها فهمي وهي أربعون يومًا وأصبحت اليوم في الخامسة عشرة من عمرها، أما أسعد الذي ولد بنطف مهربة في 23 يناير 2014 فقد بلغ من العمر تسعة أعوام وأبوه خلف القضبان!".
ولا تتوقف المعاناة عند والدة الأسيرين بل شملت أيضًا أبناء فهمي المحرومين من زيارة والدهم، تقول ابنته منى: "كنا مع جدتي عندما حصلت المشادة واعتدى عليها والد الجندي الإسرائيلي، ومنذ ذلك الحين لم نتمكن من زيارة والدي".
وتفتقد الطفلة والدها في كل يوم ولحظة، "فأنا لم أعِش معه أبدًا، وقد أصبحت في الخامسة عشرة من عمري وهو لم يشهد أي مناسبة أو عيد معي، وكذلك الحال لشقيقي أسعد الذي لم يعرف والدي إلا من وراء القضبان، نحن محرومون من زيارة والدي وعمي بقرارٍ إسرائيلي ظالم".