فلسطين أون لاين

تقرير الأسير رياض العمور يطوي أيام السجن بقلب عليل

...
الأسير رياض العمور
بيت لحم/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

تمر السنوات ثقالاً على الأسير المريض رياض العمور الذي أنهكته عتمة السجن ورصاصة ما لا تزال مستقرة في جسده، يطوي أيامه بقلب عليل وشوق للحرية ولأبنائه الذين تركهم صغارًا لا يتجاوز عمر أكبرهم ست سنوات.

فالحياة في غياب الوالد لم تكن بالسهلة أبدًا بالنسبة لابنه البكر منتصر، "اعتقل والدي وأنا أبلغ من العمر ست سنوات، لا أمتلك أي ذكرياتٍ معه، الحياة في غياب الأب بالغة الصعوبة، كبرت وإخوتي الأربعة على تعب أمي وجهادها معنا".

ومنذ أن أصبح منتصر وأشقاؤه كبارًا وواعين وهم لا يهنأ لهم بال في ظل مرض والدهم الأسير وحالته الصحية الصعبة التي يزيد وطأتها الإهمال الطبي الذي تمارسه إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى.

يقول: "والدي 56 عامًا مريض قلب، تعرض لأكثر من محاولة اغتيال ولا يزال يعاني من آثار الرصاص في مناطق مختلفة من جسده، فقد استأصل الأطباء جزءًا من كبده، وأمعائه".

ويتابع: "كما أن هناك رصاصة ما زالت مستقرة في رقبته منذ أكثر من عشرين عامًا. يقول الأطباء إن استئصالها يشكل خطرًا على حياته، بجانب معاناته مع الحركة من آثار الرصاص في قدمه".

وقد جعل المرض من الأسير العمور نزيلًا دائمًا في عيادة سجن الرملة لمدة ست سنوات متتالية تقريباً (2011 -2017م)، و"أجرى والدي خلال تلك الفترة عملية قلب مفتوح وكان في وضع صحي بالغ الخطورة. لم نتوقع أن يظل على قيد الحياة، واليوم وضعه الصحي بات أصعب فمنذ ذلك الحين لم تُجرِ إدارة السجون له الفحوصات الطبية اللازمة".

ويلفت إلى حاجة والده إلى تغيير بطارية المساندة لعمل القلب، لكن إدارة السجن لا تصغي لمطلبه، الأمر الذي ترك مضاعفات على صحته نتيجة ظهور ماء على الرئتين.

ورغم كل ما يعانيه الأسير العمور، المحكوم بالسجن أحد عشر مؤبدًا، يزيد الاحتلال معاناته بمنع ذويه من زيارته بين الحين والآخر، وفق نجله منتصر، في إحدى الفترات منعت أسرته من الزيارة أعوام متتالية، وحاليًا تتم الزيارات وفق مزاجية إدارة السجون.

الهزل والتعب

وفي آخر زيارة لـ"منتصر" لوالده قبيل أيام، كانت هيئته تشي بمقدار التدهور الذي طرأ على صحته، "بدا والدي هزيلًا متعبًا، لم يتمتم سوى بحمد الله على ما هو فيه، أعظم أمنياته أن يُفرج عنه ضمن صفقة تبادل تخرجه من بين حيطان السجن الأربعة الباردة حتى لو أبعدوه لـ"الصين".

وما يحاول العمور إخفاءه عن أسرته، يعلمه من خلال ذوي أسرى آخرين سواء موجودين معه أو مفرجٌ عنهم يخبرونهم بمقدار الألم الذي يعيشه "رياض" بين جنبات المعتقل وصراعه مع أوجاعه، "حتى أنهم أخبرونا أنه تعرض للإغماء أكثر من مرة مؤخرًا دون أن تقوم إدارة المُعتقل بإجراء أي فحوصات له، بل إنها تتجاهل الأمر وكأن شيئًا لم يكن"، يضيف منتصر.

ويلفت إلى أن وفاة جدته قبل عام دون أن يتمكن والده من رؤيتها مدة ست سنوات متتالية بعدما أقعدهما العجز والمرض، ترك أثرًا بليغًا على نفسيته، "خاصة أن جدي أيضًا لا يستطيع زيارته بسبب المرض، فهو لا يستطيع أن يروي نار شوقه لهما".

أما محمد الابن الأصغر لـ"رياض" فيعاني وضعًا نفسيًا صعبًا بعدما أصبح "ممنوعًا أمنيًّا" من زيارة والده، "تحررتُ قبل عامين بعد أن قضيتُ قرابة العام والنصف مع والدي في الزنزانة ذاتها".

ويصف الاعتقال بأنه "مرار عيش"، "لكن الفترة التي قضيتها في السجن أنار أبي عتمة سجني، استطعتُ الارتماء بأحضانه، فوقت اعتقاله كنت أبلغ من العمر عشرة أشهر فقط".

ويضيف: "كانت لحظات صعبة لكنها جميلة، بعد الإفراج عني دخلتُ في حالة اكتئاب لفترة طويلة وكذلك والدي فإن معنوياته تدهورت بعد أن فارقته".

وفي وسط كل تلك المعاناة، تترقب زوجة الأسير "رياض" بقلق الأنباء التي تتوارد من سجون الاحتلال عن وضع زوجها الصحي، ويعتصر قلبها ألمًا لما آل إليه حاله في ظل الصمت العربي والدولي.

يقول محمد: "تلك الأخبار تزيد من همها وهي التي عافرت الحياة لعشرين عامًا كي تربينا، بعد أن جعلها الاحتلال بلا زوج وبلا منزل، "حيث تم تفجير منزلنا بعد اعتقال والدي، لكنها ثابرت حتى تمكنت من بناء بيت لنا، وتزويج شقيقاتي الثلاث وشقيقي منتصر.. وهي تنتظر اللحظة التي يخرج فيها والدي من معتقله كي تجد سندًا لها في هذه المسيرة الشاقة".