فلسطين أون لاين

أهداف المقاومة من بث رسالة الجندي الأسير "أبراهام منغستو"

المشاهد المتلفزة التي بثتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس للجندي الأسير لديها في غزة منذ تسع سنوات "أبراهام منغستو" مثلت مفاجأة غير سارة لحكومة الاحتلال، إضافة إلى أنها حملت العديد من الرسائل والأهداف، وفي مقدمتها رغبة المقاومة في تحريك المياه الراكدة في ملف صفقة التبادل بشأن الأسرى رُغمًا عن أنف الاحتلال.

الرسالة المتلفزة، التي لم تتجاوز أربعًا وأربعين ثانية فقط بددت رواية الاحتلال الكاذبة بأن الجندي "منغستو" يعاني اضطرابات نفسية، إذ ظهر هذا الجندي بصحة جيدة، وكان يتحدث بكلمات واضحة، وعلى الرغم من أنها لم تتجاوز العشر ثوانٍ، فإنها عبرت عن حالة الإحباط التي يعانيها هذا الجندي الصهيوني، نتيجة تجاهل حكومات الاحتلال المتعاقبة لمعاناته ورفاقه الجنود الأسرى على مدار ثماني سنوات، وتساؤله عن سبب تجاهل حكومات الاحتلال لمصيره، ومصير رفاقه الجنود الأسرى لدى المقاومة.

بنشر الرسالة المصورة للجندي "منغستو" فإن المقاومة الفلسطينية نجحت في تسجيل نقطة لصالحها في إطار معركتها النفسية المتواصلة مع الاحتلال، فهي من جهة استفزت حكومة نتنياهو المتطرفة التي تحرص على عدم إثارة قضية الجنود الأسرى في ظل ما تواجهه من صراعات داخلية متفاقمة، وفي الوقت ذاته فإن هذه الرسالة تعمق الصراعات الطائفية داخل الكيان باستثارة طائفة "يهود الفلاشا" الذين ينتمي إليهم الجندي "منغستو"، ويعانون حالة تهميش متعمدة من حكومات الاحتلال.

ومن جهة أخرى فإن رسالة المقاومة تأتي في ظل تهديدات وزير الأمن القومي المتطرف "إيتمار بن غفير" بتضييق الخناق على الأسرى الفلسطينيين، وهي رسالة تحذير واضحة تُطلقها المقاومة بأنها قادرة على تهديد تماسك المجتمع الصهيوني بواسطة ما تمتلكه من أوراق قوة في حالة استمر وزراء هذه الحكومة في رعونتهم وغطرستهم تجاه الأسرى في سجون الاحتلال، وأن أي تصعيد من الاحتلال ضد الأسرى يمكن أن يُشعل مواجهة مسلحة بين المقاومة والاحتلال.

كما أن بث هذه الرسالة المتلفزة في يوم تَسَلّم الجنرال الصهيوني "هرتسي هليفي" مهامه رئيسًا لأركان جيش الاحتلال خلفًا للجنرال "أفيف كوخافي"، الذي فشل طيلة السنوات الماضية في الوصول إلى معلومات استخبارية بشأن جنوده الأسرى في غزة، أو تحقيق تقدم على صعيد مفاوضات التبادل مع المقاومة، يعيد إلى واجهة الأحداث قضية مفاوضات التبادل بين المقاومة والاحتلال، ولسان الحال أن المقاومة الفلسطينية لن تسمح باستمرار معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، ولن تدخر جهدًا لإرغام الاحتلال على تحريرهم بصفقة تبادل جديدة.

بنشر هذه الرسالة المصورة تؤكد المقاومة مرة أخرى امتلاكها صندوقًا من الأسرار حول الجنود الأسرى في غزة، فهي لم تقدم بعد إجابات شافية عن حياة الجنديين الأسيرين "هدار غولدن"، و"شاؤول أرون" اللذَيْن زعم الاحتلال أنهما في عداد القتلى، وهذا يؤكد أن المقاومة ما زالت تتمسك بشرط الإفراج عن أسرى صفقة وفاء الأحرار الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم قبل تقديم معلومات ذات جدوى عن حياة الجنديين غولدن وأرون.

واليوم ومع نشر هذه الرسالة الواضحة لأحد الجنود الأسرى في غزة، وفي ظل حالة الاستياء التي أعرب عنها الجندي الأسير "منغستو"، فإن المقاومة نجحت في تشكيل ضغط جديد على "بنيامين نتنياهو" الحريص على حرف بوصلة الجمهور الصهيوني باتجاه التهديد الإيراني والتطبيع العربي، في محاولة للقفز على القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني، والتهرب من تقديم أي تنازل للمقاومة الفلسطينية. 

استحضار سريع لجهود المقاومة في تحريك مفاوضات التبادل حول الأسرى نجد أنها لم تدخر جُهدًا طيلة السنوات الماضية للضغط على حكومات الاحتلال المتعاقبة، بدءًا من نشر كتائب القسام في عام 2016م صورًا للجنود الأسرى، وإعلان المقاومة في سبتمبر من ذات العام أن الجندي الأسير لديها "شاؤول أرون" انهار عند مشاهدة جنازة والده، ثم إعلان القسام في فبراير 2020م إصابة أحد الجنود الأسرى نتيجة قصف طائرات الاحتلال لغزة، ثم بث المقاومة في يونيو 2021م تسجيلًا صوتيًا لأحد الجنود الأسرى، ثم تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مطلع عام 2022م بأن المقاومة تحتفظ بأربعة جنود أسرى في غزة، وتحذيره بأن المقاومة تعمل على زيادة الغلّة في حال لم يقتنع الاحتلال بالتوصل لصفقة تبادل، ثم إعلان المقاومة في يونيو 2022م أن تدهورًا طرأ على صحة أحد الجنود الأسرى، وما تبعه من بث فيديو مصور يؤكد إصابة الجندي الأسير "هشام السيد" بحالة إعياء شديدة، ثم استعراض المقاومة في ديسمبر الماضي سلاح الجندي الأسير "هدار غولدن" ضمن فعاليات مهرجان انطلاقة حركة حماس في غزة، وهي جهود متواصلة تؤكد أن المقاومة عازمة على تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال.

ختامًا، وبالرغم من نشر رسالة الجندي "منغستو" بعد قرابة شهر من تهديد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة "يحيى السنوار" للاحتلال بأن المقاومة ستعمل على إغلاق ملف الجنود الأسرى نهائيًا في ظل استمرار تعنّت الاحتلال وغياب بوادر صفقة تبادل جديدة، فإن دلالات نشر هذه الرسالة المصورة بأن الفرصة اليوم قد تكون الأخيرة للاحتلال لبدء مفاوضات تبادل حقيقية، وربما تذهب المقاومة في الأشهر المقبلة لمضاعفة غلّتها من الجنود الأسرى في حال استمر تجاهل حكومة "نتنياهو" معاناة الأسرى، أو صعّد "بن غفير" من تهديداته اليمينية المتطرفة تجاه أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال.