فلسطين أون لاين

استُشهد قبل 6 سنوات

تقرير محمد الطرايرة.. هشّموا جبينه وسرقوا جثمانه و"قلْب" عائلته

...
الشهيد محمد الطرايرة
الخليل–غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

منذ ست سنوات خلت كل يومٍ يمر على عائلة الشهيد محمد الطرايرة يشبه يوم استشهاده، فلا جديد في نظرهم ما داموا لم يطبعوا على جبينه قبلة الوداع، ولم يطمئنوا لدفنه في قبرٍ قريب منهم يمكنهم زيارته والحديث إليه إذا ما فاض بهم الشوق.

"رأسًا على عقب"

فحتى اللحظة عائلة الشهيد الطرايرة ما زالت تدور في فلك تفاجئها باستشهاده، وبالتغيرات الدراماتيكية التي قلبت حياتهم رأساً على عقب منذ ذلك الحين، فحتى لحظة استشهاد محمد لم يكن سوى شاب هادئ يعمل في مخبز لكسب لقمة العيش.

ففي العشرين من يونيو من عام 2016م، الموافق 25 من شهر رمضان، كان محمد يبيت كعادته في محل للحلويات في بلدة دورا، هاتفه والده ناصر بعد سحور تلك الليلة، "كان بخير ولم يظهر صوته أي شيء غريب".

يستدرك بالقول: "لكننا فوجئنا بوسائل الإعلام تنقل خبر استشهاد محمد من بني نعيم دون ذكر اسم والده، لم أعتقد للحظة أنه ابني، ولم ندرك الأمر سوى عندما حاصرت قوات الاحتلال بيتنا".

مرّت اللحظات سريعاً ليدرك ناصر أن الاحتلال يتهم ابنه باقتحام مستوطنة "كريات أربع" وقتل اثنيْن من المستوطنين، مضيفاً: "لم يكن يظهر عليه أي نية لتنفيذ عمل فدائي لكنه قبيل استشهاده تأثر كثيرًا باستشهاد ابن خاله يوسف وليد طرايرة في مارس من العام نفسه في أثناء تنفيذه عملية دهس".

قتل بدم بارد

لم يتمم محمد السابعة عشرة من عمره حينما استشهد، وبعد ساعات من استشهاده أخذت قوات الاحتلال والده لمكان العملية ليتعرف إلى هوية ابنه، "قتلوه بدم بارد، وبشكل بشع، بعد أن سيطروا عليه، فقد اخترق الرصاص عدة أنحاء من جسده، كان جبينه مهشّماً، ولم يسمحوا لي حتى بتقبيله قبلة الوداع".

ويضيف: "بدا المكان كأنه ثكنة عسكرية، كنت محاصراً بقوات برية مدعومة بالطائرات، رفضوا تسليمي الجثمان، وحتى اللحظة ما زال محتجزاً".

ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، فهو لم يستجب لكل جهود المؤسسات الحقوقية والإنسانية المطالبة باسترداد ناصر جثمان ابنه، بل نُقل لمقابر الأرقام، "لم نعلم أنهم نقلوه سوى بعد سبعة أشهر عن طريق المركز الحقوقي المتابع لقضيته".

وعندما احتجّ ناصر لدى قضاء الاحتلال أخبروه بأنه لن يتم الإفراج عن جثمانه بدعوى أن "يديه ملطختان بالدماء".

يقول: "ما دام جثمانه لديهم فإن جرحنا مفتوح، وكل يوم يمر علينا كأنه يوم استشهاده".

أمنية أخيرة

أما والدة الشهيد رائدة الطرايرة "أم تامر" فإنّ مأساة فقدان ابنها تتكرر كلما سمعت باستشهاد أحد أبناء شعبها، "كلما رأيتُ والدة شهيد تودع جثمان ابنها، فإنني أغبطها على أنها تمكنت من احتضانه للمرة الأخيرة".

وتضيف: "الأمر لم يكن سهلاً أبداً، ولن يكون، فمنذ لحظة استشهاده ونحن نعيش أوقاتًا غير عادية، وتتجدد مشاعري كل يوم، وكلما استشهد شبابٌ في عمره، سيظل جرحنا ينزف ما لم نتمكن من دفنه وفق الشريعة الإسلامية في قبرٍ قريبٍ منا يمكنني أن أذهب إليه والتحدث إليه لأُطفئ بعضاً من نار الشوق".

وتتابع: "ما يُهدئ روعنا قليلاً أنه مات شهيداً.. منذ استشهاده وأنا أعكف على حفظ القرآن وتعلم أحكام التلاوة فهي تؤنسني وتخفف من تعب تفكيري في مصير محمد".

يزيد ألم "أم تامر" أنّ الاحتلال بعد استشهاده مباشرة هدم منزل العائلة على ما فيه من ذكرياتٍ جمعتها بابنها، "لكن ما صبرني أن الذي فقدته أغلى من البيت ومن كل الدنيا، لقد نكلوا بنا كثيراً، واعتقلوا ابني تامر مدة سنة  بتهمة التحريض على وسائل التواصل".

وتضيف: "وكذلك اعتقلوا ابني الأصغر لؤي، وابنتي لارا بتهمة تهديد الاحتلال في أثناء مقابلة صحفية لها، بعد استشهاد شقيقها، ولم يخرجوهما إلا بعد التعهد بعدم الحديث لوسائل الإعلام".

وتردف قائلة: "يريدون أن يقتلونا ونظل صامتين دون أن نشكو ما يفعلونه بنا"، مشيرة إلى أن المصائب توالت على العائلة بعد استشهاد محمد، "وما زلنا نعاني حتى اللحظة قلقًا مستمرًّا على مصير ابننا، هذا هو قدرنا نحن الشعب الفلسطيني، أن نقدّم التضحيات تلو التضحيات، يكاد لا يمر يوم دون أن تفقد إحدى الأمهات ابناً لها".