فلسطين أون لاين

بعد عام ونصف العام على استشهادها واحتجاز جثمانها

وفاء البرادعي وسؤال اليُتم في أعين أبنائها الستة

...
وفاء البرادعي وسؤال اليُتم في أعين أبنائها الستة
الخليل-غزة/ هدى الدلو:

"يابا أنا حلمت الليلة أن أمي ما استشهدت"، تصمت وتكمل وهي تبكي: "عايشة ولا ميتة بدي أمي"، بصوت باكٍ تحدثت الطفلة هاجر (7 أعوام)، فبعد مرور عام ونصف العام على استشهاد والدتها وفاء البرادعي لم تصدق حتى هذا اليوم خبر استشهادها.

وفاء عبد الرحمن البرادعي (34 عامًا)، استشهدت في منطقة الجلاجل قرب بلدة بني نعيم شرق الخليل في 19 مايو 2021، برصاص أحد المستوطنين، قرب مستوطنة "كريات أربع"، وما تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز جثمانها.

أشقاء هاجر ليسوا أفضل حالًا منها، حتى والدهم حمزة البرادعي الذي تحدث لصحيفة "فلسطين": "عشت أول خمسة أشهر من استشهادها في عذاب نفسي لا يطاق، لم أقوَ على الذهاب إلى عملي أو حتى النوم، أفكر في حالها هل هي بالفعل استشهدت وفارقت الحياة؟ أو أنها ما تزال على قيدها".

وما يزيد هواجس حمزة أن جثمانها لا يزال محتجزًا لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ولم تدفن، ويزيد وجعه أبناؤها الستة الذين لم يكفوا السؤال عنها.

يعود بذاكرته إلى تفاصيل استشهادها الغامضة، حين باغتته شقيقته باتصال تسأله فيه عن زوجته وفاء وأجابها أنها بالبيت، لتصدمه بأن صورتها منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها شهيدة، "جلست من هول الصدمة أرضًا وبكيت، ولكني لم أصدق الخبر، خرجت من عملي بسيارتي لأتأكد بنفسي، ولكن الطريق كان أمامي مغلق وطويل، وعندما وصلت البيت وجدت الأقارب والجيران يؤكدون خبر استشهادها".

ويقول: "حينها شعرت بحسرة في قلبي، كل تفكيري أسرح في أبنائي وحالهم وحالتهم النفسية إزاء فقد أمهم، ويزيد الطين بلة أن جثمانها محتجر، فكيف أقنعهم بسياسة الاحتلال تجاه الفلسطينيين؟"

تلاعب نفسي

هاتفه ضابط مخابرات الاحتلال وطلب منه الحضور فورًا، بعدما وصل حاول تهدئته وأخبره بأن زوجته وفاء مصابة ووضعها جيد، وتمكث حاليًا في المستشفى، وحاول الضابط في تحقيقه تأكيد روايته بأنها قامت بعملية إطلاق نار تجاه الجنود، "عرض عليّ فيديو لوفاء وهي ملقاة على وجهها أرضًا وبجانبها قطعة سلاح".

يضيف: "وبعد التحقيق أخبرني أنها استشهدت، وقادوني إلى الاعتقال على الرغم من ظروفي النفسية الصعبة، وخوفي على أبنائي الذين هم في أمسّ الحاجة لي".

ويتابع: "بعد وقت قصير عاد طبيب العيادة في السجن الذي أجرى لها فحصًا ليخبرني بأنها لم تستشهد، وأنه هو من أشرف على حالتها لحظة الحدث وطلب لها الإسعاف".

لم يستطع البرادعي التأكد من مصير زوجته على الرغم من محاولاته عن طريق منظمة الصليب الأحمر حتى تسلل اليأس إلى قلبه من كل هذه المنظمات الدولية التي لا تجدي نفعًا ما دامت (إسرائيل) غير معنية بالبوح بأي معلومة إلا إذا قررت هي ذلك.

ويتابع حديثه: "المشكلة أنني في أوقات ما استسلم أنا وأبنائي ونسلم بأنها استشهدت، وأحيانًا يتسلل الأمل إلى قلوبنا، فلو يمر 20 عامًا، ولم أحمل جثمانها وأدفنه بيدي لن أصدق روايتهم أنها ماتت".

الدور المفقود

ويتابع: "أنا كل يوم أموت مئة موتة لما أشوف دمعة في عين أحد أبنائي وهو يسأل عن أمه، "أرى اليُتم في عيونهم في سؤالهم عنها، وعن موعد الإفراج عن جثمانها، وأسئلة أخرى تلجم لساني عن الإجابة".

وعن معاناة احتجاز جثمانها طيلة تلك المدة، يردف: "كيف لي أن أسمح أن يبقى جثمان زوجتي عندهم، فلا يؤتمنون عليه".

وما يزيد ألمه أن السلطة في رام الله لا تكترث لمعاناة ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم، ولا تطرق باب البحث في ملفهم، موجهًا رسالة إلى العالم: "ماذا يريدون من جثمان شخص ميت؟ لماذا يحقدون على الأموات، بعد أن حرموهم الحياة؟ لماذا يعذبون أهاليهم باحتجاز جثامينهم؟".