"كأنه حلم انهار أمامي في لحظة"، هكذا لخص المقدسي حربي الرجبي، لحظات إجبار سلطات الاحتلال الإسرائيلي له على هدم منزله الذي بناه بكد تعبه بيده، تفاديًا لدفع غرامات باهظة ترهق كاهله.
قبل شهرين من الآن شرع الرجبي (39 عامًا) الذي يقطن في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، في إضافة توسعة جديدة لمنزله ليضم ثلاث غرف جديدة تؤوي أولاده بعد أن ضاق بهم المسكن.
ويعيل الرجبي أسرة مكونة من سبعة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 18 عامًا، وأصغرهم ثلاثة، إضافة إلى زوجته، ويقيمون في منزل تبلغ مساحته 80 مترًا مكون من غرفتين ومطبخ وحمام.
غير أنه اضطر إلى هدم التوسعة الجديدة بيده يوم الجمعة الماضي، بعدما خيرته سلطات الاحتلال بين أن يهدمه بنفسه حتى مساء يوم الجمعة الماضي، أو أن تهدمه بآلياتها مقابل تغريمه 90 ألف شيقل.
ضيق المنزل
ضيق مساحة المنزل دفعت الرجبي، وفق ما قاله لصحيفة "فلسطين"، إلى البناء وإنشاء ثلاث غرف جديدة لتؤوي أولاده، غير آبه بالاحتلال، ومحاولة هدم المأوى.
وقبل عشرة أعوام هدمت بلدية الاحتلال التوسعة الملاصقة لبيته من الناحية الجنوبية، التي بلغت مساحتها 120 مترًا مربعًا، إذ يؤكد الرجبي أن أكوام الحجارة لا تزال مكانها شاهدة على إجرامها.
وأشار إلى أنه لجأ إلى توسعة منزله من الناحية الغربية بعد فشل جميع محاولاته في الحصول على رخصة بناء بسبب الشروط التعجيزية التي وضعتها بلدية الاحتلال أمامه.
ولفت إلى أنه بعد أسبوع من البدء في العمل سلمته بلدية الاحتلال إخطارًا بوقف البناء، وبعد أسبوعين تلقى قرارًا بهدم المبنى حتى نهاية الـ13 من الشهر الجاري، وإن لم ينفذ الأمر ستهدم البلدية المكان وتجبره على دفع غرامة باهظة.
وقال الرجبي: "يهدمون في كل مرة بزعم البناء غير المرخص، فحاولت الحصول على رخصة، وتواصلت مع مهندسين من أجل استكمال الإجراءات واستخراج بعض الأوراق المطلوبة، ولكن دون جدوى، فغالبيتها تحتاج إلى كومة من الأموال تقدر بنحو مليون شيقل، ولا تتوفر لدى المقدسيين بسبب أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، "وإن توفرت فلا نُمنح الرخص".
تضييق الخناق
وعدَّ الرجبي محاولات الاحتلال لتضييق الخناق على الأهالي ومنعهم الحصول على رخص البناء بأنها "محاولة إسرائيلية لدفعهم للتوجه إلى بنوكه، والحصول على قرض للبناء ودفع المعاملات والرخص واستخراج الأوراق المطلوبة فهم يسهلون ذلك، وفي حالة عدم الالتزام يُحجز على الأرض".
وما يُشعِر الرجبي بالأسى أنه وغيره من المقدسيين ممنوعون من البناء في أراضيهم في حين تسمح سلطات الاحتلال للمستوطنين بإقامة المباني المختلفة والمتنوعة والمدارس الضخمة "على مرأى أعيننا، ودون أن تطالهم أي أوامر هدم أو إخلاء".
ويتابع بغضب: "نحن أصحاب الأرض ممنوعون من البناء، في حين يسمح للمستوطنين الأغراب بالبناء والتوسعة على أرضنا"، متسائلًا: "أين العالم الحر من معاناتنا؟ وأين القانون الدولي مما نتعرض له من إجرام إسرائيلي؟".
وما يزيد من حزنه، أن هدم منزله توافق مع ذكرى ميلاده الـ39، وهو اليوم الذي كان أولاده يخططون فيه لتنظيم حفل "ويدعون أقاربنا للاحتفال معنا، لكن لسوء الحظ شاركونا في عملية الهدم".
وأرسل الرجبي أولاده للإقامة في منزل جدهم بحي سلوان إلى أن يتمكن من إعمار بيته الذي طاله الضرر بفعل عمليات الهدم التي كلفته 4 آلاف شيقل، في حين بلغت تكلفة التوسعة المهدمة 70 ألف شيقل، يضاف لها مبلغ آخر لصيانة الجزء الذي طاله الضرر.
ويضطر المقدسيون إلى هدم منازلهم قسرًا، تجنبًا لدفع غرامات مالية باهظة إذا هدمتها سلطات الاحتلال، تصل أحيانًا إلى مئات آلاف الشواقل.
وتسعى سلطات الاحتلال لتهجير المقدسيين بوسائل مختلفة، أبرزها سياسة هدم المنازل والمنشآت، حتى بلغت عمليات الهدم في القدس طوال العام المنصرم، 168 عمليةً، 66 منها تمت على يد أصحابها قسرًا، تجنبًا لدفع غرامات مالية باهظة، بحسب معطيات فلسطينية.